للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربّ ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزّلال (١)

عمّروا دهرا بعيش حسن ... آمنى دهرهم غير عجال

ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودى بالرجال

وكذاك الدهر يرمى بالفتى ... فى طلاب العيش حالا بعد حال

فالدنيا إلى زوال وكلّ من عليها فان، حتى صمّ الجبال، ولا يغرنك ما يغرق فيه بعض الناس من ترف ونعيم، فعمّا قليل يعصف بهم الدهر كما عصف بمن قبلهم. ومن الأسلوب الثانى قوله (٢):

أيّها الشامت المعيّر بالدّهر ... أأنت المبرّأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيّام ... بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير (٣)

أين كسرى: كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك ال‍ ... رّوم لم يبق منهم مذكور

ويستمر فى ذكر ملوك مختلفين شيدوا قصورا شامخة، وانتهى أمرهم إلى الفناء، وطوتهم الحفر والقبور كأن لم يكونوا شيئا مذكورا، إلى أن يقول:

ثم بعد الفلاح والملك والإمّ‍ ... ة وارتهم هناك القبور (٤)

ثم صاروا كأنهم ورق ... جفّ فألوت به الصّبا والدّبور (٥)

ويكثر البحترى فى حماسته من إنشاد مثل هذه الأبيات لعدى بن زيد التى يتحدث فيها عن الحياة والموت ومصير الملوك السابقين. ونحن لا نطمئن إلى كل هذه الأشعار، بل نقف منها موقفنا من نظيرها عند الأعشى، فإن القصّاص والوعاظ على ما يظهر أضافوا إليه أشعارا كثيرة. ولعل ذلك ما جعل اللغويين


(١) الزلال: الصافى العذب.
(٢) الأغانى ٢/ ١٣٨.
(٣) المنون: الموت، وأعاد عليه الضمير مجموعا.
(٤) الإمة: النعمة.
(٥) ألوت: ذهبت. الصبا والدبور: ريحان.

<<  <  ج: ص:  >  >>