للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفضون الاستشهاد بشعره، ولاحظ ابن سلام كثرة الوضع عليه فقال: «عدى بن زيد كان يسكن الحيرة ومراكز الريف فلان لسانه وسهل منطقه، فحمل عليه شئ كثير وتخليصه شديد (١)». وأكبر الظن أن هذا هو السبب فى أن المفضل والأصمعى لم يثبتا له فى مجموعتيهما شيئا من شعره. وقد قلنا فى غير هذا الموضع إنه لا يفصح فى شعره عن فكرة التثليث المسيحية، وينبغى أن لا نغلو فى فهم مسيحية أمثال عدى فى الجاهلية، فإنها لم تكن تتعمق نفوسهم، وإن كان من المؤكد أنها أثرت فيهم، بل لقد سقط منها تأثيرات إلى الشعراء الوثنيين فرأيناهم يذكرون أحيانا الرهبان والنواقيس ومحاريب الكنائس أو قد يذكرون بعض الأنبياء مما جعل لويس شيخو يسلك أكثر شعراء الجاهلية فى النصرانية، وهو مخطئ فى ذلك خطأ بينا.

وربما كان أهم شاعر جاهلى وثنى ظهر عنده واضحا التأثر بأهل الكتاب أمية (٢) ابن أبى الصلت الثّقفى، وهو من الطائف ويقال إنه اتصل بالأحبار وتحنّف ولبس المسوح وتنسّك. وكان يزور مكة قبل البعثة، وله مدائح فى سيد من سادتها المشهورين هو عبد الله بن جدعان، الذى يقول له فى بعض مديحه (٣):

أأذكر حاجتى أم قد كفانى ... حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يغيّره صباح ... عن الخلق الكريم ولا مساء

وأرضك كلّ مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لهم سماء (٤)

ويقول أيضا (٥):

عطاؤك زين لامرئ قد حبوته ... بخير، وما كلّ العطاء يزين

وليس بشين لامرئ بذل وجهه ... إليك، كما بعض السؤال يشين

ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه أضلّه الله فعاداه، وزيّن له الشيطان سوء عمله وأغواه، فلم يسلم، بل أخذ فى معاندة الرسول ومحادّته بلسانه،


(١) ابن سلام ص ١١٧ وانظر الحيوان ٧/ ١٤٩ والشعر والشعراء ١/ ١٧٦
(٢) انظر فى أمية الأغانى (طبعة الساسى) ١٦/ ٦٩ وطبعة دار الكتب ٨/ ٣٢٧ وما بعدها وابن سلام ص ٢٢٠ وما بعدها وخزانة الأدب ١/ ١٣٠ وحياة الحيوان للدميرى ٢/ ١٥٤ والشعر والشعراء لابن قتيبة ١/ ٤٢٩.
(٣) ابن سلام ص ٢٢٢ والأغانى ٨/ ٣٢٨
(٤) بنو تيم: عشيرة عبد الله بن جدعان.
(٥) ابن سلام ص ٢٢٢ والأغانى ٨/ ٣٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>