للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٠٠ - ٣٥٠ هـ‍) حتى إذا أمر المستنصر ابنه (٣٥٠ - ٣٦٦ هـ‍) بإراقة الخمر وتشدد فى ذلك تعرضت له جماعة من الشعراء بذمه، من بينهم الرمادى: يوسف بن هرون، فأمر بسجنه حتى إذا توفى عادت إليه حريته، واشتهر له قوله فى طفل حلق أهله شعره خوفا عليه من الحسد (١):

حلقوا رأسه ليكسوه قبحا ... خيفة منهم عليه وشحّا

كان قبل الحلاق ليلا وصبحا ... فمحوا ليله وأبقوه صبحا

ونمضى إلى عصر أمراء الطوائف وفيه يشتد التنافس بين الشعراء، ويشتد معه الهجاء ولو أن ابن بسام عنى فى الذخيرة بعرضه لأورد منه عشرات بل مئات من الصحف، ولكنه عاهد نفسه أن لا يعرض منه إلا القليل الأقل. وأخذ حينئذ يتخصص بعض الشعراء بنظمه، فهم لا يكادون يطرقون بابا سواه وفى مقدمتهم السّميسر وسنفرد له ترجمة وكان على شاكلته أبو تمام غالب (٢) الملقب بالحجّام شاعر قلعة رباح غربى طليطلة وقد سقطت فى حجر ألفونس السادس سنة ٤٦٧ وغالبا لا يذكر ابن بسام من يهجوهم وخاصة إذا كانوا من رجال الأندلس أو علية القوم، ولعل ذلك ما يجعله يختار له الأبيات العامة التى تصيب كل مذموم كقول غالب مما أنشده صاحب الذخيرة:

صغار الناس أكثرهم فسادا ... وليس لهم لصالحة نهوض

ألم تر فى سباع الطير سرّا ... تسالمنا ويؤذينا البعوض

وقوله:

فيا للملك ليس يرى مكانى ... وقد كحلت لواحظه بنورى

كذا المسواك مطّرحا هوانا ... وقد أبقى جلاء فى الثغور

وأخذ يظهر من حينئذ شعراء يطوفون بمدن الأندلس، ويتغنون على كل باب يظنون منه خيرا، وقد يتعثر الخير، وقد يشعرون بشئ من الاستطالة مع الإقلال والجدب فيمن يقصدونهم، فيتركونهم إلى غيرهم ممن يحسنون بهم الظن، فيجدونهم أكثر إقلالا وإجدابا، ومن أشهر هؤلاء الشعراء الجوالين أبو عامر (٣) الأصيلى، وهو كثير الذم والهجاء للناس


(١) رايات المبرزين (طبعة القاهرة) ص ٧٨.
(٢) راجع فى أبى تمام غالب الحجام وشعره الذخيرة ٣/ ٨٢١ وما بعدها والمغرب ٢/ ٤٠ ورايات المبرزين ص ٨٢.
(٣) انظر فى أبى عامر الأصيلى وشعره الذخيرة ٣/ ٨٥٧ والمغرب ٢/ ٤٤٤ والخريدة ٢/ ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>