للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردّت عليه بهجاء موجع أخرسه. وكما هجا تلميذته التى كانت حرية بكل ثناء على الأقل لخصب ملكتها الشعرية هجا ابنا له بقوله:

الحقّ أبلج لست أنت وحقّ من ... أحيا بك الأجلاف ممّن يفلح (١)

لا تهتدى بفضيلة لا ترعوى ... بملامة لا أنت ممن يصلح

يزداد عقلك ما كبرت تناقصا ... وتلجّ فى صمم إذا ما تنصح (٢)

وبدلا من أن يتعاطف مع ابنه فلذة كبده ويصوغ له النصح برفق يجرح مشاعره بهذه السهام المصمية. ويقول ابن سعيد عنه فى مطلع ترجمته نقلا عن الحجارى: «بشار الأندلس انطباعا ولسنا وأذاة، وهو الذى أحيا سيرة الحطيئة بالأندلس فمقت، وكان لا يسلم من هجوه أحد». ويروى ابن سعيد أن جده عبد الملك كان يبرّه ويكرمه وأنه قصده مرة فأنزله فى دار تلطفا، وقال لغلام له: اسأل فى الموضع الذى نزل فيه المخزومى متى يرحل وكان يريد أن يرسل إليه حين يهم بالرحيل زادا وينظر له فى دابة تحمله، وأساء الغلام الطريقة إذ ضرب على المخزومى فخرج إليه، فقال له: يقول لك صاحبك متى ترحل؟ فقال له انتظر حتى أكتب لك الجواب وكتب له أبياتا منها:

لا ترجونّ بنى سعيد للنّدى ... فالظلّ أفيد منهم للسائل

قوم مصيبتهم بطلعة وافد ... وسرورهم أبدا بخيبة راحل

ومن كبار الهجائين فى عصر الموحدين على بن حزمون وسنفرد له ترجمة، وكان يعاصره محمد (٣) بن الصفار الأعمى القرطبى المتوفى سنة ٦٣٩ وكان قد أخذ نفسه بالوقوع فى الأعراض، وكان لا يزال يتناول أعراض الأمراء ووجوه القوم، ويروى ابن سعيد أنه لما قال أبو زيد الفازازى كاتب أبى العلاء المأمون الموحدى (٦٢٤ - ٦٢٩ هـ‍) ابن يعقوب المنصور قصيدته التى أولها: «الحزم والعزم منسوبان للعرب» يشير بذلك إلى أنصاره من عرب جشم ناقضه ابن الصفار بقصيدة فى مديح يحيى بن الناصر الموحدى أخى المأمون مخاصمه على إمارة الموحدين، أشار فيها إلى عمه المأمون هاجيا له بقوله:

وإن ينازعك فى المنصور ذو نسب ... فنجل نوح ثوى فى قسمة العطب

وإن يقل أنا عمّ فالجواب له ...؟ ؟ ؟ امّ النبىّ بلا شكّ أبو لهب


(١) أبلج: مضيئ.
(٢) تلج: تتمادى.
(٣) انظر فى ترجمة ابن الصفار الأعمى وشعره ١/ ١١٧ واختصار القدح المعلى ص ٢٠٣ ص ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>