للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشّمع فى درع الغدير ... كعوالى الأسل (١)

بتنا إلى أن حثّنا ... إلى النّوى برد الحلى

وابن أبى روح يتمثل فى البيت الأخير من المقطوعة ما جاء فى كتاب الأمالى من أن عربية سئلت كيف تعرفين الفجر؟ فقالت: أعرفه ببرد الحلى. وهو يصور ليلة هنيئة له قضاها مع صاحبته متعانقين يقطف من ورد الخجل ويجنيان معا من زهرات حبهما، وكأنما كانت ليلة من ليالى العرس، فالشموع متقدة متلألئة على سطح الغدير وعادة يشبهه العرب بالدرع لما تحدثه الرياح فيه من غضون. ويقول محمد بن سفر المترجم له بين شعراء الطبيعة (٢):

وواعدتها والشمس تجنح للنّوى ... بزورتها ليلا وبدر الدّجى يسرى

فجاءت كما يمشى سنا الصّبح فى الدّجى ... وطورا كما مرّ النسيم على النّهر

فعطّرت الآفاق حولى فأشعرت ... بمقدمها والعرف يشعر بالزّهر (٣)

فتابعت بالتّقبيل آثار سعيها ... كما يتقصّى قارئ أحرف السّطر

فبتّ بها والليل قد نام والهوى ... تنبّه بين الغصن والحقف والبدر (٤)

أعانقها طورا وألثم تارة ... إلى أن دعتنا للنّوى راية الفجر

ففضّت عقودا للتعانق بيننا ... فيا ليلة القدر اتركى ساعة النّفر

والمعانى والأخيلة بديعة، فقد زارته وتارة كأنها سنا الصبح يتخلل الظلام أو كأنها النسيم العليل الذى يحيى النفوس، وعطرت الأرجاء بعرفها أو نشرها، وكأنما استحال الثرى تحت أقدامها طيبا ذكى الرائحة وهو ما ينى يقبّل مواضع خطوها، وكانت ليلة سعيدة نام فيها الليل واستيقظ الحب حتى كان الفجر وحتى كان الوداع، بل لكأنما كانت ليلة القدر الهنيئة، وإنه ليهتف بها أن لا تنفر وتقبض أجنحتها عن الكون، حتى يؤجّل الوداع ولو إلى حين.

ونلتقى بصفوان بن إدريس المتوفى سنة ٥٩٨ قبل إكماله الأربعين صاحب كتاب زاد المسافر فى شعراء زمانه المتردد ذكره فى الهوامش، وله يصف ليلة أنس عفيفة وصفا


(١) الأسل: الرماح: عواليها: أطرافها القاطعة.
(٢) النفح ٣/ ١٩٩.
(٣) العرف: الرائحة العطرة.
(٤) الحقف: الكثيب من الرمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>