للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بديعا (١):

يا حسنه والحسن بعض صفاته ... والسّحر مقصور على حركاته

بدر لو آنّ البدر قيل له: اقترح ... أملا لقال أكون من هالاته

صاحبته والّليل يذكى تحته ... نارين من نفسى ومن وجناته (٢)

وضممته ضمّ البخيل لماله ... أحنو عليه من جميع جهاته

أوثقته فى ساعدىّ كأنّه ... ظبى أخاف عليه من فلتاته

وأبى عفافى أن أقبّل ثغره ... والقلب مطوىّ على جمراته

فاعجب لملتهب الجوانح غلّة ... يشكو الظّما والماء فى لهواته (٣)

وصفوان يقول إن محبوبته جميلة جمالا خلب لبّه، حتى ليتصور أن كل أمل للبدر أن يكون من هالات جمالها الفاتن. ويكون لقاء ذات ليلة، وهو يكاد يحترق من حبه المتقد فى جوانحه، كما يقول، ويأخذها بين ساعديه ويضمها إلى صدره ويعف عن تقبيلها، وهى طوع يديه، وهو ظامئ ظمأ شديدا، والماء فى أعالى حلقه، ويجاهد حتى لا ينزلق إلى صدره الملتهب ويطفئ غلته. وعلى هذا النحو يردّنا غزلون أندلسيون إلى نجد وغزلها العذرى عند مجنون ليلى وأضرابه بمثل هذا التصوير الرائع للعفاف الملتاع، بجانب ما استشعروه من العناصر البدوية وعرض صورها البديعة على نحو ما رأينا عند ابن طفيل. ونلتقى فى عهد الناصر الموحدى (٥٩٥ - ٦١٠ هـ‍) بشاعره أحمد بن شطريّة الذى اختطفه الموت فى ريعان شبابه، ومن غزله الطريف (٤):

ستر الصّبح بطرّه ... وجلا الليل بغرّه

كعبة للحسن فى كلّ فؤاد منه جمره ... جاءنى كالظّبى فى أشراكه إذ حلّ شعره (٥)

ومضى عنّى ولكن ... بعد ما خلّف نشره (٦)

ويقول على بن حريق (٧):


(١) انظر فى ترجمة صفوان وشعره المغرب ٢/ ٢٦٠ ورايات المبرزين ص ١١١ والتكملة ص ٤٢٩ والتحفة رقم ٥٢ الإحاطة ٣/ ٣٤٩ ومقدمة كتابه زاد المسافر لعبد القادر محداد.
(٢) يذكى: يضرم ويوقد.
(٣) لهوات جمع لهاة: أعلى الحلق.
(٤) انظر المغرب ١/ ١٤٠.
(٥) أشراك جمع شرك: حبالة الصائد.
(٦) نشره: عطره.
(٧) المغرب ٢/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>