للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلّمته فاصفرّ من خجل ... حتى اكتسى بالعسجد الورق

وسألته تقبيل وجنته ... فأبى وقال: أخاف أحترق

حتى زفيرى عاق عن أملى ... إن الشقىّ بريقه شرق

وهو يشبه صفرة الخجل التى كست خد صاحبته بالعسجد أو الذهب ووجنتها بالورق أو الفضة، ويقول إن أنفاسه بلغ من حرارتها أن صاحبته خشيت لو قبّلها أن يحترق خدها من زفيره، ويقول إن الشقىّ بريقه شرق أو غاصّ. ومن الغزلين بأخرة من عصر الموحدين سهل بن مالك الذى مر ذكره بين شعراء الفخر، وله متغزلا (١):

ولما بدا ضوء الصّباح رأيتها ... تنفّض رشح الطلّ عن ناعم صلت (٢)

فقلت: أخاف الشمس تفضح سرّنا ... فقالت: معاذ الله تفضحنى أختى

وسهل يتصور صاحبته زهرة جميلة تنفض عن وجهها الناعم المضئ فى الصباح ندى العرق، ويخوّفها من إذاعة الشمس لسرهما، وتطمئنه، فهى أختها ولن تذيع لها سرا.

ويقول ابن سعيد (٣) صاحب كتاب المغرب المبثوث فى الهوامش المتوفى سنة ٦٨٥ بتونس (٤):

وهبت فؤادى للمباسم والحدق ... وحكّمت فى جفنى المدامع والأرق

ولم أستطع إلا الوفاء لغادر ... ويا ليتنى لما وفيت له رفق

ومن أجله قد رقّ جسمى صبابة ... ويا ليته لما رآه عليه رقّ

ومنذ أواسط القرن السابع الهجرى-بل منذ هزيمة العقاب سنة ٦٠٩ نشعر أن نبع الغزل الذى كان متدفقا فى بلدان الأندلس أخذ يغيض وتغيض معه البهجة عن نفوس الأندلسيين لسقوط مدنهم واحدة إثر أخرى فى حجر نصارى الشمال، ولم يبق لهم سوى إمارة غرناطة التى ظلوا ثابتين فيها ثبوت الجبال الراسية، ولكن مع غير قليل من الأسى والإحساس بمستقبل مفجع ملبد بالغيوم. وطبيعى أن يعم الغزل فى تلك الإمارة غير قليل من التكلف وأن يصاغ كثير منه للتعبير عن جناس أو تورية أو غيرهما من محسنات البديع، ومع ذلك لا يزال هناك من يتخففون من هذه المحسنات محاولين التعبير عن شئ من الوجد، ونشعر دائما عندهم بغير قليل من التصنّع وأنهم يبدئون ويعيدون فى خواطر


(١) رايات المبرزين ص ٨٦.
(٢) الجبين الصلت: الجبين الوضيئ المشرق.
(٣) انظر مصادر ترجمة ابن سعيد بين المؤرخين فى الفصل الثانى.
(٤) المغرب ٢/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>