بخط يده فى رأس كل منشور: الحمد لله وحده. وأعجب بها عبد المؤمن واستنشدها من شعرها وأنشدته ما زاده إعجابا، ويبدو أن ابنه عثمان الذى تولى غرناطة بعد ذلك رآها حينئذ وبهره جمالها. فلما ولى غرناطة حاول القرب منها عن طريق وزيره أبى جعفر، ولا بد أنه عرف ما كان قد انعقد بينهما من حب وهو ليس حب مجون، بل حب طهارة وعفاف على نحو ما عرف عن فتيات الأندلس وسيداتها من تحرر ومن لقاءات بينهن وبين الشعراء فى قصورهن، وفى الحدائق والرياض، إذ كن أحيانا يمضين فيها بعض الليالى مع من يهواهن وظلت ذكرى ليلة قضاها أبو جعفر مع حفصة فى بستان بمتنزه يسمى «حور مؤمّل» عبقة فى نفسه حتى ليكتب إليها:
رعى الله ليلا لم يرح بمذمّم ... عشيّة وارانا بحور مؤمّل
وقد خفقت من نحو نجد أريجة ... إذا نفحت هبّت بريّا القرنفل
وغرّد قمرىّ على الدّوح وانثنى ... قضيب من الريحان من فوق جدول
فهو يدعو لليل الذى نعم فيه مع حفصة باللقاء بين نسيم الرياض ونفحاتها التى تحيى القلوب أن يسبغ الله دائما عليه رعايته. وتجيبه:
لعمرك ما سرّ الرياض بوصلنا ... ولكنّما أبدت لنا الغلّ والحسد
ولا صفّق النّهر ارتياحا لقربنا ... ولا غرّد القمرىّ إلا لما وجد
وكأنها تحدث عن حسد الناس لهما وأنهما لن يتركوهما ينعمان بحبهما، ويقطفان من أزهاره ما يعنّ لهما وما يمتعان به روحاهما، واتصل بينهما الحب واللقاء فكتبت إليه وقد استبطأت لقاءه:
أزورك أم تزور فإنّ قلبى ... إلى ما تشتهى أبدا يميل
فعجّل بالجواب فما جميل ... أناتك عن بثينة يا جميل
وهى تشير إلى حب جميل لبثينة حبا عذريا شاع ذكره فى بوادى نجد والحجاز لعصر بنى أمية. وأجابها مصورا ولعه بها وتوقيره لها:
أجلّكم مادام بى نهضة ... عن أن تزوروا إن وجدت السّبيل
ما الرّوض زوّارا ولكنما ... يزوره هبّ النسيم العليل
فالروض لا يزور ومثله الفاتنة التى ملكت قلب صاحبها وخلبت لبه، وإنما يزوره