للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على بساط بل على رداء سندسى أخضر. وتتداخل صور الطبيعة فى مديح القصيدة ومعانيها مرارا كقوله السالف فى المعتضد:

أندى على الأكباد من قطر النّدى ... وألذّ فى الأجفان من سنة الكرى

وكان يعاصره بإشبيلية على بن حصن الماجن، وسنفرد له كلمة. ونمضى إلى عصر المرابطين، ونلتقى بعبد الله بن سارة، وله أشعار كثيرة فى الأزهار: النرجس وغيره وفى الخمر ومجالسها، ومن قوله فى النارنج (١):

أجمر على الأغصان زادت نضارة ... به أم خدود أبرزتها الهوادج

كرات عقيق فى غصون زبرجد ... بكفّ نسيم الرّيح منها صوالج

نقبّلها طورا وطورا نشمّها ... فهنّ خدود بيننا ونوافج

وابن سارة لا يدرى أيرى على الأغصان جمرا ناضرا أم خدودا لحسان تومض من بعيد على الهوادج، بل هى كرات من عقيق أحمر تتوّج غصونا من زبرجد أخضر، بل هى صوالج يرسلها النسيم بكفه إلى أعالى أشجارها حتى إذا تناولها بيده مضى يقبل فيها خدود الحسان ويشم أريجها العطر، وكأنها طورا خدود وطورا نوافج مسك ذكى الرائحة.

ولهم شعر كثير فى الفواكه والثمار نكتفى منه بهذا المثال. ولأبى طالب عبد الجبار المترجم له بين أصحاب الشعر التعليمى خمرية نواسية، وصف فيها زيارته لإحدى الحانات، يقول فيها (٢):

وخمّار أنخت به مسيحى ... رخيم الدّلّ ذى وتر فصيح (٣)

سقانى ثم غنّانى بصوت ... فداوى ما بقلبى من جروح

وفضّ فم الدّنان على اقتراحى ... ففاح البيت منها طيب ريح

فقلت له لكم سنة تراها ... فقال: أظنّها من عهد نوح

ولما أن شدا الناقوس صوتا ... دعانى: أن هلمّ إلى الصّبوح

فهو قد نزل بخمار مسيحى يحسن الغناء على العود بصوت رقيق، وسقاه وغناه وشفى-كما يقول-ما بقلبه من جروح، وأخذ يفضّ له باقتراحه دنّا وراء دن، وسأله عن عمرها فقال له إنها عتيقة وأظنها من عهد نوح، ودقّ الناقوس، فنبّهه إلى الصبوح أو


(١) الذخيرة ٢/ ٨٤٠ ومغرب ١/ ٤٢٠.
(٢) الذخيرة ١/ ٩١٨ والمغرب ٢/ ٣٧٢.
(٣) رخيم: رقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>