للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبتهجة مضمخة أو معطرة بالمسك فى منظر الروض البهيج، وكأنما سكب الأصيل على خد الروض حياء وخفرا فاصفرّ لونه، بينما كحّل جفن النهر بالظلال، وقد أضاءت على جيد الغصن أزهار كاللآلئ تضئ الليالى المظلمة.

ويلقانا مرج الكحل: محمد بن إدريس الذى نشأ بائعا متجولا فى الأسواق يتعيش ببيع السمك ثم ترقت به همته إلى الأدب قليلا قليلا-كما يقول ابن سعيد-إلى أن نظم الشعر ثم ارتفعت فيه طبقته، وله خمرية يمزج فيها بين نشوته بالطبيعة ونشوته بالخمر يقول فيها (١):

عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر ... بين الفرات وبين شطّ الكوثر (٢)

ولتغتبقها قهوة ذهبية ... من راحتى أحوى المراشف أحور (٣)

والروض بين مفضّض ومذهّب ... والزّهر بين مدرهم ومدنّر (٤)

والورق تشدو والأراكة تنثنى ... والشمس ترفل فى قميص أصفر (٥)

ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها ... إلا لفرقة حسن ذاك المنظر

وهو يدعو صاحبه أن ينزل معه بطريق الكثيب المشرب بحمرة فى تلك الجنّة البعيدة بين الفرات والكوثر ليتمتعا هناك بالغبوق أو خمر المساء، وبمناظر الأزهار المفضضة والمذهبة، والورق أو الحمام يشدو ويهدر وأغصان الأراكة تنثنى، يثنيها النسيم العليل والشمس تتبختر فى قميصها الأصفر الرقيق، ويقول إن صفرتها عند الغروب بسبب فراقها ووداعها لمنظر هذا الروض الفاتن. ويقول أبو الحجاج يوسف بن عتبة الإشبيلى المتطبب فى خاتمة موشح له يصور شرب الخمر والصباح يطل على الطبيعة (٦):

فقم نباكرها للاصطباح ... والشّهب تنثر من خيط الصباح


(١) مغرب ٢/ ٣٧٣ وانظر فى ترجمة مرج الكحل وشعره أيضا زاد المسافر ص ٢٧ والوافى بالوفيات ٢/ ١٨١ والتكملة ص ٣٤٤ والاحاطة ٢/ ٣٤٣ حمل عنه ديوان شعره وتوفى سنة ٦٣٤.
(٢) منعرج الكثيب الأعفر: طريق الكثيب المخالط لونه حمرة. الكوثر: نهر بالجنة ولعله يريد دجلة.
(٣) القهوة: الخمر. اغتباقها: شربها فى المساء. المراشف: الشفاه.
(٤) المدرهمة: الفضية من الدرهم. والمدنرة: الذهبية من الدينار.
(٥) ترفل: تتبختر.
(٦) مغرب ١/ ٢٨٢ وانظر فى ترجمة أبى الحجاج وشعره أيضا اختصار القدح المعلى لابن سعيد ص ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>