للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقضب ترقص فى أيدى الرّياح ... على غناء الحمام

والكاس ذات ابتسام

والظلام قتيل ... والصّبح دامى الحسام

وإنما ذكرنا هذا الدور الختامى لإحدى موشحات أبى الحجاج لنشير بوضوح إلى أننا إذا كنا قد أغفلنا فى حديثنا عن أغراض الشعر ذكر الموشحات فليس معنى ذلك أنها انفصلت فى أغراضها عن الأغراض العامة للشعر فقد كانت هى نفسها أغراض الموشحات ولهم فيها ما لا يحصى من الأخيلة البديعة، على شاكلة ما نرى فى هذا الدور من تمثيل غياب النجوم مع تباشير النهار، فقد جعلها أبو الحجاج تنثر من خيط الصباح وكأنها دنانير تنثر فى عرس والغصون راقصة متشابكة ومتلاعبة مع الرياح، والحمام يشدو ويغنى والخمر فى كئوسها تبتسم ثغورها. ولا يلبث أبو الحجاج أن يعرض علينا هذا المشهد الدرامى البديع فالظلام طريح قتيل، إذ سفك الصبح دمه، ولا تزال حمرته القانية تلطّخ سيفه. ويقول ابن الأبار مستلهما الرصافىّ فى وصف نهر (١):

ونهر كما ذابت سبائك فضّة ... حكى بمحانيه انعطاف الأراقم (٢)

إذا الشّفق استولى عليه احمراره ... تبدّى خضيبا مثل دامى الصّوارم (٣)

وتحسبه سنّت عليه مفاضة ... لإرهاب هبّات الرياح النواسم (٤)

وتطلعه فى دكنة بعد زرقة ... ظلال لأدواح عليه نواسم

وهو يجعل ما فى النهر سبائك فضة سائلة، ويشبهه فى انعطافاته يمينا ويسارا بانعطافات الأفاعى، حتى إذا سقط عليه الشفق تصوّره سيفا داميا، وسقط عليه الظل فتصوره درعا لبسه النهر لإرهاب الرياح، وإنها لتحيل لونه داكنا بعد أن كان أزرق صافيا. ويقول إبراهيم (٥) بن سهل الإشبيلى:

الأرض قد لبست رداء أخضرا ... والطلّ ينثر فى رباها جوهرا


(١) أزهار الرياض ٣/ ٢٢٣.
(٢) الأراقم: الأفاعى.
(٣) خضيبا: ملونا. الصوارم: السيوف.
(٤) سنت: صبّت. مفاضة: درع.
(٥) انظر فى ابن سهل وترجمته وشعره المغرب ١/ ٢٦٩ واختصار القدح ص ٧٣ والفوات ١/ ٢٣ والمنهل الصافى ١/ ٥١ وهو يهودى أسلم فى شبابه توفى سنة ٦٤٦. طبع ديوانه محققا ببيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>