للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه إلى أكثر من ثمانين صفحة مهّد لها بقوله: «كل شعره منقح مستملح، صحيح السبك، محكم الحوك، نظيم السلك» وهو موزع بين مديح ورثاء وغزل وهجاء ووصف للقصور والخيل ومن قوله فى الهرمين:

بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا ... على طول ما أبصرت من هرمى مصر

أنافا بأعنان السماء وأشرفا ... على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر (١)

وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا ... كأنهما ثديان قاما على صدر (٢)

وفى هذه الصورة ما يدل على أنه كانت لأمية ملكة خيالية خصبة، ومن أهم ما يتميز به كثرة خمرياته وتصاويره للطبيعة، وتتداول الكتب التى ترجمت له وصفه لبركة الحبش بمدينة الفسطاط (مصر القديمة الآن) وكانت جنات وبساتين تحتها مسرب من مياه النيل يصبّ فى قنوات تتخللها، وكان أهل الفسطاط يخرجون للنزهة فيها وللمتاع بمناظرها، وفيها يقول أمية:

لله يومى ببركة الحبش ... والأفق بين الضياء والغبش

والنيل تحت الرياح مضطرب ... كصارم فى يمين مرتعش (٣)

ونحن فى روضة مفوّفة ... دبّج بالنّور عطفها ووشى (٤)

قد نسجتها يد الربيع لنا ... فنحن من نسجها على فرش

فعاطنى الرّاح إنّ تاركها ... من سورة الهمّ غير منتعش (٥)

وهى نزهة ببركة الحبش فى يوم من أيام الربيع الجميلة، وتتوالى الأخيلة فى الأبيات بديعة، فاضطراب النيل تحت الرياح كاهتزاز السيف فى يد مرتعش لا يهدأ ولا يسكن أبدا، وهو وصحبه فى روضة أنيقة وشيت جوانبها وزينت بالنور، ومدّ الربيع من تحتهم بساطا سندسيا. وفى هذا الموكب الرائع الذى ملأ قلبه فتنة بالطبيعة وجمالها يسأل صاحبه أن يناوله كأس الخمر، حتى يزول-كما يزعم-كل هم فى طوايا نفسه. ويعلن مرارا أنه مولع باحتساء الخمر وسط الرياض ومباهج الطبيعة، ويفتنّ فى مزجها بالغزل إذ يجتمع عليه صبابته بالخمر وبجمال المرأة وينشد مثل قوله:

قامت تدير المدام كفّاها ... شمس ينير الدّجى محيّاها


(١) أناف: ارتفع وأشرف. السماك: نجم نيّر.
(٢) النشز: المرتفع من الأرض.
(٣) صارم: سيف.
(٤) مفوفة: مزخرفة.
(٥) سورة: شدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>