للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمراء جميعا فى شخص المتوكل ومات معهم المديح. ويقول صاحب المعجب إنه كان يكتب للمتوكل أمير بطليوس ثم يقول إنه كتب بعد ذلك للأمير سير بن أبى بكر بن تاشفين الذى ولى إشبيلية بعد استنزال المعتمد منها مدة طويلة، ويذكر له رسالة كتب بها عنه إلى سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين بفتح مدينة شنترين، ويقول المراكشى إن ابن عبدون كتب ليوسف بن تاشفين أو لابنه لا يدرى والصحيح أنه إنما كتب لابنه على بعد سير بن أبى بكر، ويؤكد ذلك قول المراكشى فى موضع آخر: «لم يزل أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين من أول إمارته يستدعى أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك» ثم يعّددهم ويذكر من بينهم أبا محمد عبد المجيد بن عبدون. ويبدو أنه ظل كاتبا عنده إلى آخر حياته إذ يقول صاحب الصلة إنه انصرف إلى يابرة لزيارة من له بها، فتوفى فيها سنة ٥٢٩ للهجرة. ويشيد ابن بسام والفتح بن خاقان وكل من ترجموا له بأشعاره، وخاصة برائيته التى رثى فيها دولة المتوكل ببطليوس وقد نالت شهرة واسعة مما جعل كثيرين ممن ترجموا له ينشدونها فى ترجمته، وعنى بشرحها عبد الملك بن عبد الله الشلبى من أدباء القرن السابع الهجرى فشرحها. ونشرها مع شرحها دوزى ثم طبعت مع الشرح بالقاهرة، وهو فيها يسوق العبرة بمن ماتوا واندثروا من عظماء الأمم وحكامها الكبار ودولها الغابرة وحيواناتها الفاتكة وطيورها الجارحة، يقول ابن بسام: «اقتفى فيها أبو محمد أثر فحول القدماء من ضربهم الأمثال فى التأبين والرثاء بالملوك الأعزة وبالوعول الممتنعة فى قلل الجبال والأسود الخادرة (١) فى الغياض وبالنسور والعقبان والحيّات فى طول الأعمار». (٢) وهو يستهلها بقوله:

الدّهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصّور

أنهاك أنهاك-لا آلوك موعظة- ... عن نومة بين ناب اللّيث والظّفر (٣)

ما للّيالى أقال الله عثرتنا ... من الليالى وخانتها يد الغير (٤)

فى كل حين لها فى كلّ جارحة ... منا جراح وإن زاغت عن النّظر

تسرّ بالشئ لكن كى تغرّ به ... كالأيم ثار إلى الجانى من الزّهر (٥)


(١) الخادرة: الساكنة. الغياض جمع غيضة؛ الأجمة.
(٢) راجع الذخيرة ١/ ٨١٨.
(٣) لا آلوك موعظة: لا أقصر فى وعظك.
(٤) أقال: تجاوز وصفح، الغير: أحداث الدهر.
(٥) الأيم: الأفعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>