إنما خلق ليعبرها، وحرى به أن لا يحزن على ما فات منها وأن يفرح لما فاز به فى أخراه، وينصحه أن يلازم قرع باب الله فسيفتح له يوما، وينشد:
فلو بكت الدّما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد ... أمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
وتشفق للمصرّ على المعاصى ... وترحمه، ونفسك ما رحمتا
تفرّ من الهجير وتتّقيه ... فهلاّ عن جهنّم قد فررتا
فلو أن الإنسان لم يعمل الصالحات الباقيات وبكى وبالغ فى بكائه حتى بكى دما فإن ذلك لن يتيح له الأمان مادام لم يطع أوامر ربه. ومن عجب أن يشفق الإنسان على عاصى ربه ويرق له قلبه وقلبه لا يرق لنفسه، وعجب عجاب أن يفر من حرارة الهاجرة ولا يتخذ العدة للفرار من جهنم ولظاها المشتعل. وفى قصيدة كافية يقول للدنيا: لقد عهدنا الأم تعطف على أبنائها وأنت تعامليننا بكل قسوة ودون أى شفقة، وفرض على الأبناء أن يبروا أمهاتهم إلا أنت، فواجب عقوقك وبغضك أشد البغض. ودائما ينصح بعمل الخير والإحسان إلى الفقراء ويخوّف أشد التخويف من عذاب النار، وله قصيدة:
خمسة وثلاثون بيتا ختمها جميعا بكلمة النار وفيها يقول:
ويل لأهل النّار فى النّار ... ماذا يقاسون من النّار
تنقدّ من غيظ فتغلى بهم ... كمرجل يغلى على النار
ويستمر قائلا: لا تقبل التوبة فى النار، والشقى يفر من النار إلى النار، وويل له من النار، إذ لا راحة له فيها وكيف يرتاح وهو يشرب المهل فيها، ويطعم الزقّوم، وتتدافع سيول النار فى القصيدة حتى نصل إلى نهايتها فنطلب من الله مع أبى إسحق المعافاة والعتق من النار. ومن أروع قصائد الديوان قصيدة من ثلاثة وخمسين بيتا ختمها جميعا بلفظ الجلالة على هذا النحو:
يا أيها المغترّ بالله ... فرّ من الله إلى الله
ولذ به واسأله من فضله ... فقد نجا من لاذ بالله
وقم له والليل فى جنحه ... فحبّذا من قام لله
واتل من الوحى ولو آية ... تكسى بها نورا من الله
وعفّر الوجه له ساجدا ... فعزّ وجه ذلّ لله