للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعره وروى له رسالة كتبها سنة ٤١٩ إلى بعض إخوانه وفيها نزعة صوفية واضحة، وسنلم بها فى الفصل التالى، وينشد له ابن بسام:

شربت بكأس الحبّ من جوهر الحبّ ... رحيقا بكفّ العقل فى روضة الحبّ

وخامر ماء الرّوح فاهتزّت القوى ... قوى النّفس شوقا وارتياحا إلى الرّبّ

ونادى حثيثا بالأنين حنينها ... إلهى إلهى من لعبدك بالقرب

وخاطبه وحيا إليه مليكه: ... سأكشف-يا عبدى لعينك-عن حجبى

فأعلن بالتسبيح: مثلك لم أجد ... تعاليت عن كفء يكافيك أو صحب

وهو يقول إنه شرب فى روضة الحب الإلهى رحيقا مصفّى من جوهر الحب امتزج بروحه، فحنّت قوى نفسه شوقا إلى مشاهدة ربه، ونادى-وأنّ فى ندائه-متلهفا على قربه من ربه، وتجلّى له الله رافعا ما بينه وبين عبده من حجبه، فسبّح بحمده منزها له عن أن يكون له كفء أو صحب، وكأنه يشير إلى الآيتين: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} - {أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ}. والتصوف فى الأبيات-كما ذكر تلميذه أبو المطرف-تصوف سنى، فيه إشارة إلى وحدة الشهود، وليس فيه إشارة إلى الاتحاد بالذات العلية الذى يؤمن به أصحاب التصوف الفلسفى. وكان يقرن إلى تصوفه إيمانه بعقيدة الاعتزال فى مثل قوله:

يا محدثا للكلّ كنت ولم تزل ... وكذاك ربّى لا يزال بلا مكان

وقوله:

جلّت صفات جلاله، فجلاله ... قد جلّ عن تحديد كيف ومن وما

وهو يشير بذلك إلى ما يؤمن به المعتزلة من تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين فلا يحدّه مكان ولا زمان ولا تحصره كيفية ولا جوهر ولا عرض، تعالى جلال الله عن ذلك علوا كبيرا.

ويذكر آسين بلاسيوس-ويتابعه بالنثيا-أن مدينة المرية على البحر المتوسط فى الجنوب الشرقى للأندلس أصبحت فى القرن الخامس الهجرى-بتأثير آراء ابن مسرة-مركزا مهما من مراكز الصوفية القائلين بوحدة الوجود، فظهر فيها محمد بن عيسى الإلبيرى الصوفى وأبو العباس بن العريف (١)، وما ذكرناه آنفا عن أحمد بن


(١) انظر فى ذلك بالنثيا ص ٣٢٩ وما بعدها وكتاب ابن سبعين وفلسفته الصوفية للدكتور أبى الوفا التفتازانى طبع دار الكتاب اللبنانى) ص ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>