للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيسى الإلبيرى المتوفى قبل ابن العريف بأكثر من قرن يدل على أن اسمه حرّف عند بلاسيوس، فأصبح محمدا بدلا من أحمد، ونفس لقبه الإلبيرى يدل بوضوح على أنه ليس من أهل المرية إنما هو من إلبيرة بجوار غرناطة، وفيها قضى حياته كما مرّ بنا، وكان من أصحاب التصوف السنى بشهادة أشعاره وتلميذه أبى المطرف الشعبى.

أما أبو العباس بن العريف المتوفى سنة ٥٣٦ للهجرة فكان من أهل المرية حقا غير أنه لم يكن من أصحاب التصوف الفلسفى على نحو ما سيتضح فى ترجمتنا له عما قليل. وكان يعاصره فى إشبيلية ابن (١) برّجان عبد السلام بن عبد الرحمن اللخمى المتوفى سنة ٥٣٦ وفيه يقول ابن الأبار: «كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد فى العبادة وله تآليف مفيدة، منها تفسير للقرآن لم يكمله وشرح الأسماء الحسنى» وله فى التصوف كتاب عين اليقين. وكان يعاصره أبو القاسم (٢) أحمد بن قسى، ويقول ابن حجر فى لسان الميزان إنه رحل إلى ابن العريف فى المرية، وعاد إلى موطنه فى مارتلة بقرب باجة فى غربى الأندلس وكثر أتباعه من المريدين. وحين احتدمت الثورة على المرابطين فى أواخر العقد الرابع من القرن السادس الهجرى ثار عليهم مع مريديه وغلب على شلب ولبلة، وكاتب عبد المؤمن سلطان الموحدين ودخل فى طاعته وانقلب على واليه، وحاول الاستعانة بالنصارى، وشعر بحركته بعض من معه فقتل سنة ٥٤٦. وينسب ابن حجر إليه-كما ينسب إلى ابن برّجان-تحريفهما لمعانى النصوص القرآنية وتأويلها بخلاف الظاهر، وله كتاب خلع النعلين وشرحه فيما بعد ابن عربى. وكان تصوفه هو وابن برّجان-مثل تصوف ابن العريف-تصوفا سنيا، إذ لم ينسب إليهم جميعا مترجموهم كلاما فى وحدة الوجود. وفى رأينا أن اعتناق بعض المتصوفة الأندلسيين لهذه الوحدة تأخر إلى عصر الموحدين. وممن اعتنقها حينئذ أبو عبد الله الشوذى الإشبيلى الملقب بالحلوى، ولى القضاء بإشبيلية فى دولة الموحدين، ثم خلص للتصوف ومزجه بالفلسفة، وقال بوحدة الوجود (٣)، وأهم تلاميذه ابن دهاق إبراهيم بن يوسف الأوسى المالقى المتوفى سنة ٦١١ وفيه يقول ابن الأبار: «كان فقيها مشاورا غلب عليه علم الكلام، فرأس فيه واشتهر به، وله تآليف منها شرح الإرشاد فى علم الكلام


(١) انظر فى ابن برجان التكملة ص ٦٢٥ وابن شاكر فى الفوات ١/ ٥٦٩ ولسان الميزان لابن حجر (طبع حيدر آباد) ٤/ ١٣.
(٢) راجع فى ابن قسى لسان الميزان ١/ ٢٤٧ وبالنثيا ص ٣٣٢، ٣٧٣.
(٣) انظر فى الشوذى وطريقته الصوفية وقوله بوحدة الوجود كتاب ابن سبعين ٧١ - ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>