وما الوصف إلا دونه غير أننى ... أريد به التشبيب عن بعض ما أدرى
وذلك مثل الصّوت أيقظ نائما ... فأبصر أمرا جلّ عن ضابط الحصر
فقلت له الأسماء تبغى بيانه ... فكانت له الألفاظ سترا على ستر
وهو يتيه عجبا وزهوا بالاجتهاد فى العبادة والإمامة لفقراء الصوفية، فلا يهمه أى شئ مما يتعلق به الناس من جاه السياسة ومتاع الحياة، فحسبه نفحة قدسية امتزجت بقلبه، فغاب عن الكون وكل ما فيه من عالم الخلق والتدبير. ويقول وصلت إلى رضوان الله ومحبته، ويستدرك فإنه غنىّ عن الوصل والهجر ولا وصف يحيط به، وما تشبيبى وغزلى إلا بعض ما أشعر به، وكأنى مثل نائم أيقظه صوت فأبصر من جلال الله ما يجلّ ويعظم عن الحصر، وحتى أسماؤه الحسنى لا تجلو هذا الجلال، إذ لا تحيط به ألفاظ، بل لكأنما الألفاظ تضيف دونه حجابا إلى حجاب، وله فى إحدى موشحاته:
خلعت عذار عشقى فى غرامى ... وهمت وقد حلا عندى هيامى
بمن أهوى وكاسات المدام ... مذهبى دنّى
لائمى دعنى الهوى فنّى
ببذلى فى الهوى روحى ومالى ... عشقت فما لعذّالى ومالى
وهو يقول إنه لم يعد يتحفظ أو يتحشم فى غرامه، بل لقد أصبح يتهتك فيه، لا يستحى ولا يخجل، إذ جمع به هيامه بمن يهوى بل لقد حلاله هذا الهيام كما حلاله الإكباب على كاسات المدام حتى ينتشى بشراب المحبة الإلهية إلى أقصى حد ممكن، وهو ليس شرابا عاديّا بل هو رحيق صاف، وهو يتخذ دنّه مذهبا له حتى يبهج روحه وقلبه بهذا الحب الربانى الذى بذل فيه روحه وكل ما يملك، فما للعذّال اللائمين وماله. وقد اندلع فى فؤاده هذا الحب وإنه ليشرب رحيقه من دنّ قدسى عظيم. ومن قوله فى موشحة ثانية:
يا حبيبى بحياتك ... بحياتك يا حبيبى
رقّ لى وانظر لحالى ... أنت أدرى بالذى بى
أنت دائى ودوائى ... فتلطّف يا طبيبى
وهى كلمات تكاد تطير من الفم طيرانا لخفتها وعذوبتها وسلاستها. ولهذه السلاسة والعذوبة كان يكثر إنشاد شعره وموشحاته وأزجاله فى حلقات المتصوفة من شاذلية وغير شاذلية، ونوّه بها جميعا مترجموه، يقول الغبرينى: «شعره فى غاية الانطباع والملاحة،