ربّات بيوت وفتيات قصور مخدومات تحفّ بهن الفخامة والجلال. ويقول الوقّشى حقّ لدمعى أن يسيل مدارا لأولئك الحسان ذوات العيون النجلاء الدّعج اللائى نشأن فى الحلية والنعيم، فقد بدّلت الأساور والحلىّ الذهبية فى معاصمهن أقدّا أو سيورا من جلد، فيا للعار! ويا للإسلام! ويا للعروبة
وكان لهذه القصيدة وما يماثلها من استصراخات الأندلسيين ليوسف بن عبد المؤمن أمير الوحدين الأثر العميق فى نفسه، فدخل الأندلس فى سنة ٥٦٦ على رأس مائة ألف فارس شاكى السلاح، وسحق النصارى فى غير موقعة واستردّ كثيرا من ديار الأندلس والقلاع والحصون، واتسعت بها مملكته. وخلفه ابنه يعقوب المنصور فمزّق جموعهم فى موقعة الأرك المشهورة سنة ٥٩١ غير أن النصر كتب لهم فى موقعة العقاب سنة ٦٠٩ لعهد ابنه الناصر. وثارت الأندلس على الموحدين، وتفككت بلدانها وتحارب أمراؤها، مما آذن سريعا بضياع الشطر الأكبر منها، وما توافى سنة ٦٢٦ حتى يستولى النصارى القشتاليون على مدينة ماردة فى الغرب شرقى بطليوس، وفى السنة التالية يستولى صاحب برشلونة على جزيرة ميورقة، وما تلبث حبّات العقد ودرره أن تنفرط واحدة فى إثر أخرى، وتسقط فى سنة ٦٣٣ قرطبة جوهرة الأندلس الكبرى فى حجر القشتاليين، وتنشب بأخرة من سنة ٦٣٤ موقعة أنيشة على بعد سبعة أميال من بلنسية بين رجالها وذوى البأس والشجاعة فيها وبين ملك أرجون وجنوده، واستطاعت الكثرة النصرانية أن تدحر الأبطال الأشداء ومن كان يلهب حماستهم من العلماء أمثال القاضى أبى الربيع الكلاعى الذى استشهد وهو ينازل العدو منازلة ضارية. ولم يلبث ملك أراجون أن حاصر بلنسية أشهرا متعاقبة، وشدّد الحصار حتى أعوزت شجعانها المؤن، ولم يبق إلا الموت جوعا أو التسليم. ومنذ موقعة أنيشة أخذ أميرها أبو جميل زيان بن أبى الحملات يستصرخ حكام المغرب لإغاثته ونجدة بلدته مرسلا إليهم الوفود تلو الوفود، وكان ممن استغاث به أبو زكريا يحيى بن أبى حفص أمير تونس، إذ أرسل إليه وفدا على رأسه كاتبه ووزيره المؤرخ الأديب ابن الأبار، وسنترجم له عما قليل ملمين بقصيدته التى أنشدها بين يديه مستنفرا له قبل سقوط بلنسية فى يد العدو. وتأثر حين سماعه القصيدة فجهّز أسطولا من ثمانى عشرة سفينة محمّلة بالمؤن والسلاح، واتجه الأسطول-مع ابن الأبار والوفد المرافق له-إلى بلنسية، غير أن الأسطول أخفق فى إيصال المؤن إلى المحاصرين، واضطر إلى إنزالها فى ثغر دانية جنوبى بلنسية. وقد ظلت المدينة تقاوم أشهرا طوالا حتى نفدت الأقوات واضطر أميرها وأهلها إلى التسليم فى صدر سنة ٦٣٦ وكان