مدينته محمد بن أبى حفص أن اتخذه كاتبا له، وكتب بعده لابنه أبى زيد عبد الرحمن، ويستخلص منه بلنسية أبو جميل زيّان بن مردنيش صاحب مرسية، ويظل ابن الأبار كاتبا له، وتحدث معركة أنيشة، ويستشهد فيها أستاذه الكلاعى ويندبه ويندب من استشهدوا معه ندبا حارا. وما يلبث صاحب برشلونه أن يحاصر بلنسية، وحينئذ يرسل به أميرها إلى أبى زكريا يحيى بن أبى حفص أمير تونس على رأس وفد لطلب الغوث والمعونة، فجهّز له أسطولا محمّلا بالمؤن والأسلحة كما مرّ بنا، غير أنه لم يستطع إيصال ما يحمله إليها بسبب ما أحاطها به النصارى من حصار شديد، فانسحب الأسطول إلى دانية جنوبيها وسلّم أهلها ما حمله كما مرّ بنا. وتطورت الظروف فاستسلمت بلنسية فى صدر سنة ٦٣٦ وحضر ابن الأبار عقد تسليمها وشروطه، ودائما كان أمراء النصارى حين يستولون على بلد أندلسى لا يفون بالشروط المأخوذة عليهم، وكأنما زهد ابن الأبار فى المقام بالأندلس بعد سقوط مدينته، فاتجه إلى البلاد المغربية ونزل بجاية وأقام بها بضعة أشهر، ثم تركها إلى تونس، فألحقه أميرها أبو زكريا بدواوينه، فتولى بها كتابة الإنشاء والعلامة أو شارة الدولة، وهى توقيع يوضع على المكاتبات الرسمية لبيان أنها صادرة عن الدولة الحاكمة، وكان يكتبها بخطه الأندلسى، فرأى الأمير أبو زكريا أن تكتب بالخط المشرقى وأن يختص بكتابتها أحمد بن إبراهيم الغسانى، وغضب ابن الأبار لذلك وظل يكتب تلك العلامة بخطه الأندلسى، مما اضطر أبا زكريا أن يعفيه من عمله فأقام ببجاية فترة حتى إذا توفى أبو زكريا سنة ٦٤٧ وخلفه ابنه المستنصر أبو عبد الله محمد أعاده إلى الكتابة فى ديوانه ورفعه إلى مرتبة الوزارة، وكانت فيه حدة لسان تنفّر الناس منه، ويقول ابن خلدون: «كان فيه أنفة وبأو (عظمة) وضيق خلق» فأوجد له أعداء ألداء، واستطاعوا أن يقنعوا المستنصر باشتراكه فى مؤامرة ضده، فأمر بقتله وإحراق أشلائه وكتبه، وهكذا قتل سنة ٦٥٨ مظلوما مأسوفا عليه من معاصريه وكل من جاء بعدهم.
ويعد ابن الأبار فى الذروة من مؤرخى الأندلس وعلمائها البررة الموثوق بهم ثقة لا تدانيها ثقة، وهو فى مقدمة من مكّنوا الباحثين المعاصرين من الكتابة عن الأندلس وأعلامها النابهين بفضل كتبه النفيسة، وهى: التكملة فى مجلدين-المعجم فى أصحاب القاضى الصدفى المتوفى سنة ٥١٤ هـ-الحلة السيراء فى مجلدين وتشتمل