وهو يلتاع لوعة محرقة لهؤلاء المسلمين الذين استذلهم الكفر والطغيان بعد أن كانوا فى الذروة من العز والكرامة، لقد كانوا ملوكا وأمراء، فأصبحوا عبيدا، وإنهم ليبكون بكاء مرا، حين يرون أنفسهم-وقد فقدوا أعز شئ على نفوسهم، فقدوا حرياتهم-يباعون بيع العبيد. ويا للهول فكم من طفل فرّقوا بينه وبين أمه كما يفرّق بين الروح والبدن، إذ لن ترى ضناها وفلذة كبدها أبدا، وكم من سيدة فائقة الحسن فاتنة كأنما هى ياقوت ومرجان يرغمها إسبانى جاف غليظ على المكروه البغيض، وهى محزونة تذرف الدمع مدرارا.
والقصيدة درة يتيمة رائعة، ولروعتها أخذت الأجيال التالية تزيد عليها أبياتا تندب بها البلاد التى سقطت فى أيدى النصارى الشماليين بعد وفاة أبى البقاء الرندى سنة ٦٨٤ للهجرة. وتنبه لذلك المقرى فى نفح الطيب، إذ ذكر بعد إنشاده لها من رواية وثيقة أن بأيدى الناس منها زيادات ندبت فيها مدن الأندلس التى ظلت تسقط حتى عهد العرب الأخير وحتى استسلام غرناطة مع غروب الشمس العربية نهائيا فى تلك الديار بعد أن ظلت ساطعة فى سمائها ثمانية قرون طوال.