للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدون آملا أن تدول دولة النصارى الشماليين، ثم ما يلبث أن يتمثل الفواجع التى نزلت بقرطبة وأخواتها الأندلسيات، ويهتف:

دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ... هوى له أحد وانهدّ ثهلان (١)

فاسأل بلنسية ما شأن مرسية ... وأين شاطبة أم أين جيّان

وأين قرطبة دار العلوم فكم ... من عالم قد سما فيها له شان

وأين حمص وما تحويه من نزه ... ونهرها العذب فيّاض وملآن (٢)

قواعد كنّ أركان البلاد فما ... عسى البقاء إذا لم تبق أركان

إن المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهنّ إلا نواقيس وصلبان

إن ما نزل بالأندلس ودهاها من الخطوب أمر يجلّ عن العزاء فيه، إنه لكارثة تهوى لها الجبال وتنهدّ فى كل أرض إسلامية، فتلك مدن كبرى برمّتها ضاعت وضاعت معها قرطبة دار العلوم وإشبيلية دار الغناء والموسيقى، لقد سقطت أركان البلاد الأندلسية وقواعدها الأساسية، فهل يؤمل بعد ذلك بقاء لغرناطة وغيرها مما لا يزال فى أيدى المسلمين، لقد أصبحت المساجد وما كان يتلى فيها من قرآن كنائس تكتظ بالنواقيس والصلبان، ويصرخ مستنفرا:

يا راكبين عتاق الخيل ضامرة ... كأنها فى مجال السّبق عقبان

وحاملين سيوف الهند مرهفة ... كأنها فى ظلام النّقع نيران (٣)

وراتعين وراء البحر فى دعة ... لهم بأوطانهم عزّ وسلطان

أعندكم نبأ من أهل أندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان

ماذا التقاطع فى الإسلام بينكم ... وأنتم يا عباد الله إخوان

وهو يصيح فى فرسان المسلمين وأبطالهم من حملة السيوف المرهفة أن يسارعوا لنجدة الأندلس، ويعجب أن يرى المسلمين راتعين فى ديارهم يعيشون فى دعة وعزة وقوة، كأن ليس عندهم خبر عن الأندلسيين وما أصابهم من محن وكوارث، لا تصيبهم وحدهم بل تصيب أيضا الحنيفية البيضاء فى الصميم، فما هذا التقاطع والتنابذ وأنتم إخوان فى الدين أخوّة أقوى من أخوة ذوى الرحم، إذ ليست أخوّة دم بل أخوة روح وقلب وفكر وفؤاد، ويصيح جزعا:


(١) أحد: جبل بالمدينة مشهور. ثهلان: جبل بنجد.
(٢) حمص: إشبيلية.
(٣) النقع: غبار الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>