للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنا حكم يقضى ... فلا ينقض ما يقضى

وتنسب إليه حكم ووصايا كثيرة لقومه (١).

على أن أكثر حكمهم وأمثالهم لا يعيّنون قائلها، وهذا طبيعى لأنها تنبعث غالبا من أناس مجهولين من عامة القبائل، ممن لا يمجّدون ولا يحفل بهم الناس، وهم أيضا لا يحفلون بأنفسهم لأنهم من العامة، والعامة عادة لا يهتمون بنسبة فضل إليهم. ولا بد أن نلاحظ أن بعض أمثالهم يخفى المعنى المراد منه، ومن أجل ذلك كان لا يفهم إلا بالرجوع إلى كتب الأمثال، كقولهم: «بعين ما أرينّك» فإن معناه: أسرع، وهو معنى لا يتبادر إلى السامع من ظاهر اللفظ، ومن ثم علّق عليه أبو هلال العسكرى بقوله: «هو من الكلام الذى قد عرف معناه سماعا من غير أن يدل عليه لفظه (٢)». ولا بد أن نلاحظ أيضا أن الأمثال لا تتغير، فتقول: «الصيف ضيّعت اللبن (٣)» بكسر التاء إذا خاطبت الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجماعة. ومن ثم كانوا يستجيزون فى المثل مخالفة النحو وقواعد التصريف والجمع، ففى أمثالهم: «أعط القوس باريها (٤)» بتسكين الياء فى باريها والقياس فتحها، وفيها أيضا: «أجناؤها أبناؤها» جمع جان وبان، والقياس.

«جناتها بنانها» لأن فاعلا لا يجمع على أفعال.

وإذا كانت بعض الأمثال تخالف نظام التصريف والنحو فإن الكثرة الكثيرة لا تشذ على هذا النظام، بل إن طائفة منها تدخل فيه الصياغة الجاهلية البليغة إذ نطق بها بعض بلغائهم وفصحائهم من أمثال أكثم بن صيفى وعامر بن الظرب، وكان خطباؤهم المفوّهون كثيرا ما يعمدون إلى حشدها فى خطابتهم، يقول الجاحظ:

«كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثال سائرة، ولم يكن الناس جميعا ليتمثّلوا بها إلا لما فيها من المرفق والانتفاع (٥)». وتبع شعراؤهم خطباءهم يودعونها أشعارهم. ومن ثمّ كنا نجد كثيرا منها يتم له لحنه الموسيقى، فإذا هو شطر


(١) البيان والتبيين ١/ ٤٠١، ٢/ ١٩٩
(٢) جمهرة الأمثال للعسكرى على هامش مجمع الأمثال للميدانى ١/ ١٦٨.
(٣) يضرب هذا المثل لمن يطلب حاجة بعد فوت أوانها.
(٤) أى استعن على ما تعمل بأهل الحذق والمهارة.
(٥) البيان والتبيين ١/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>