للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول، محمد نبىّ الرحمة، وشفيع الأمة، إلى من بالأمصار الجامعة، والأقطار الشاسعة، بجزيرة الأندلس من ولاة المؤمنين، وحماة المسلمين، ورعاة الدين، من الرؤساء والمرءوسين»

والمنشور كان طويلا مما جعل ابن بسام يقتطف منه فصولا، وقد مضى أبو محمد يصور ما نزل بأهل بربشتر من الأهوال التى تقشعر لها الأبدان وتشيب لها الولدان، ومن قوله فى بعض فصوله مستثيرا مستنفرا بما يوجع القلوب سماعه من انتهاك النساء والدين:

{إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} -على ما رأت منا العيون-من انتهاك النّعم المدّخرات، وهتك ستر الحرم المحجّبات، والبنات المخدّرات، ولو رأيتم-معشر المسلمين-إخوانكم فى الدين، وقد غلبوا على الأموال والأهلين، واستحكمت فيهم السيوف، واستولت عليهم الحتوف، وأثخنتهم الجراح، وعبثت بهم زرق الرّماح، وقد كثر الضّجيج والعويل والنّواح. . . ومصاحف تمزّق، ومساجد تحرّق، ولا الأخ يلبّى أخاه، ولا الابن يدعو أباه، ولا الأب يدنى بنيه، (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ولا المرضعة تلوى (تعطف) على رضيعها، ولا الضجيعة ترثى لضجيعها. . وقد سيقت النساء والولدان، ما بين عارية وعريان، ومشيخة الرجال مقرّنين فى الحبال، مصفّدين فى السلاسل والأغلال. . والجوامع، والصّوامع، بعد تلاوة القرآن، وحلاوة الأذان، مطبقة (١) بالشرك والبهتان، مشحونة بالنواقيس والصلبان، عوضا من شيعة الرحمن، والكفر يضحك وينكى (٢)، والدين ينوح ويبكى، فيا ويلاه! ويا ذلاّه! ويا كرباه! ويا قرآناه! ويا محمداه! ولو شهدتم-معشر المسلمين-ذلك لطارت أكبادكم جزعا، وتقطّعت قلوبكم قطعا، واستعذبتم طعم المنايا، لموضع تلك الرّزايا، ولهجرت أسيافكم أغمادها، وجفت أجفانكم رقادها، امتعاضا لعبدة الرحمن، وحفظة القرآن، وضعفة النساء والولدان، وانتقاما من عبدة الطّغيان، وحملة الصّلبان»

والرسالة-بهذا النمط-تشعل الحماسة فى النفوس الخامدة حمية للدين الحنيف وما حرّق من مساجده وصوامعه وما مزّق من قرآنه ومصاحفه، ولنساء المسلمين وما انتهك من حرماتهم وما ساموهم به من أسر وسباء، بل من عرى وعذاب أليم، ومن بقى من الرجال أوثقوا فى السلاسل والأغلال. ويقول أبو محمد: إن


(١) مطبقة: مغطاة.
(٢) ينكى: يقهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>