حينئذ بالمعتمد وأعجب كل منهما بصاحبه، حتى إذا استولى على صولجان إشبيلية بعد أبيه رفعه إلى مرتبة الوزارة، مع إسناد الكتابة إليه، وله عنه فى الذخيرة غير رسالة، وعهد إليه غير مرة بالسفارة بينه وبين جيرانه من أمراء الطوائف، حتى إذا استولى ألفونس ملك القشتاليين على طليطلة، وشدّد عليه فيما كان يأخذ من المعتمد من إتاوات سنوية استصرخ-وبالمثل المتوكل أمير بطليوس-يوسف بن تاشفين أمير المرابطين لكى يقدم بجيشه إلى الأندلس نجدة لها ضد ألفونس ومطامعه، وكان أبو بكر بن القصيرة هو الرسول أو السفير الذى حمل رسالته إلى يوسف واستغاثته. ولبّاه ولبّى المتوكل وفقهاء الأندلس، فعبر بجنوده المجاز، وأنزل-يعاونه الأندلسيون وأمراؤهم: المعتمد وغيره- بألفونس وقعة الزلاقة المشهورة فى رجب سنة ٤٧٩ وفيها سحق جيش ألفونس سحقا كاد لا يبقى منه ولا يذر. وتطورت الظروف فاستولى ابن تاشفين-نزولا على إرادة الأندلسيين وفقهائهم-على إمارات الطوائف جميعا ما عدا سرقسطة فى الشمال إذ تركها لبنى هود، لما رأى من إحسانهم لحمايتها ودفاعهم عنها ضد النصارى، وأخذ المعتمد معه أسيرا إلى أغمات كما مر بنا فى غير هذا الموضع. وطبيعى أن يبتعد أبو بكر بن القصيرة عن حكام إشبيلية الجدد من المرابطين، ويظل على ذلك نحو ثلاث سنوات، ويفاجأ فى سنة ٤٨٧ باستدعاء يوسف له كى يتولى ديوان الإنشاء عنده بمراكش وكان كاتبه عبد الرحمن بن أسباط قد توفى، ويبدو أنه كان يعجب بابن القصيرة والرسائل التى حملها إليه على لسان المعتمد، وأصبح منذ هذا التاريخ رئيس ديوان الإنشاء ليوسف بن تاشفين حتى وفاته سنة ٥٠٠ وظل قائما على هذا الديوان زمن على ابنه حتى وافاه القدر سنة ٥٠٨ بمراكش.
وتحتفظ الذخيرة-كما ذكرنا آنفا-بكثير من الرسائل التى كتبها على لسان المعتمد بن عباد، ولعل أهمها الرسالة التى فصّل فيها القول فى هزيمة ألفونس بالزلاّقة، وكان جيشه قد دمّر، وبلغ من كثرة قتلاه أن كان الناس يتخذون من رءوسهم صوامع يؤذّنون عليها ويشكرون الله على حسن صنيعه، ومن قول ابن القصيرة فى الرسالة المذكورة ببعض فصولها بلسان المعتمد.
«قد علم ما كنا-قبل-مع عدوّ الله أذ فونش قصمه الله-من تطأطؤنا واستعلائه، وتقامئنا وانتخائه (١)، وأنا لم نجد لدائه دواء، ولا لبلائه انقضاء، ولا لمدة الامتحان به