للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فناء، إلى أن سنّى (١) الله تعالى من استصراخ أمير المسلمين وناصر الدين، أبى يعقوب يوسف بن تاشفين-أيده الله-ما سنّى، وأدنى من نأى دياره وشحط (٢) مزاره ما أدنى. . ثم أجاز-على بركة الله وعونه-يريش (٣) ويبرى، وسار قدما (٤) يخلق ويفرى (٥). واتفق رأينا بعد تشاور على قصد قورية (بالقرب من ماردة شرقى بطليوس) -حرسها الله-وسمع العدو-لعنه الله-بذلك فقصد بمحتشده إليها فى جيوش تملأ الفضاء، وتسدّ الهواء، وتمنع أن تقع على ما تحت راياته ذكاء (٦)، قد تحصّنوا بالحديد من قرونهم إلى أقدامهم، واتخذوا من السلاح ما يزيد فى جرأتهم وإقدامهم، ودعاه تعاظمه إلى مواجهة سبيلنا، وحمله نفجه (٧) وتهوّره على السلوك فى مدرج سيولنا، ودنونا إليه بمحلاّتنا، وأطللنا عليه براياتنا، وتنادى المسلمون بشعارهم (٨) المنصور، وأقبلوا عليه وعلى من معه فى حال مؤذنة بالظهور والوفور، وتواقف قليلا الجمعان، وتجاول مليّا (٩) الفريقان، ثم صدق أمير المسلمين، وناصر الدين-أيدّه الله-الحملة، وصدم فى جمع لم يكثر عدد الجملة، فلم يلبث أعداء الله أن ولّوا الأدبار، واتبعتهم خيل المسلمين تقتلهم فى كل غور ونجد (١٠)، وتقتضى أرواحهم على حالين من كالئ ونقد (١١)، ولم يخلص منهم على أيدى المتّبعين-آجرهم الله-إلا من سيلتهمه البعد، ويأتى على حشاشته (١٢) الجهد. . ولم يصب بحمد الله من المسلمين-وفّرهم الله على هول المقام، وشدة الاقتحام، كثير، ولا مات من أعلامهم تحت تلك الجولة إلا عدد يسير، وإن كان أذفونش-لعنه الله-لم يمت تحت السيوف بددا (١٣)، فسيموت لا محالة أسفا وكمدا، ونحمد الله على ما يسّر من هذا الفتح الجليل وسناّه، ومنحه من هذا الصّنع الجميل وأولاه».

وليت ابن بسام روى هذه الرسالة كاملة حتى تتراءى وقعة الزلاقة المجيدة بكل تفاصيلها، والمعتمد يعترف فى مقدمتها باستخذائه (١٤) أمام ألفونس وتصاغره وشعوره


(١) سنىّ: فتح.
(٢) شحط: بعد.
(٣) يريش ويبرى: يضر وينفع.
(٤) قدما: مسرعا.
(٥) يخلق ويفرى. يقرر الأمر ويمضيه.
(٦) ذكاء: الشمس.
(٧) نفجه: فخره بما ليس عنده.
(٨) شعارهم: الله أكبر.
(٩) مليا: زمنا غير قليل.
(١٠) الغور: المنخفض من الأرض. النجد: المرتفع منها.
(١١) الكالئ: المؤجل. النقد: الحالّ، يقصد القتل السريع والقتل المؤجل مشيرا بذلك إلى أسراهم.
(١٢) الحشاشة: بقية الروح.
(١٣) بددا: قطعا.
(١٤) الاستخذاء: الخضوع والذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>