بالمذلة والهوان مع التزامه بما كان يدفعه له سنويا من إتاوات. ويقول إنه كان دأبه ودأب أمراء الطوائف من حوله الإذعان لنصارى الشمال، بينما كان دأب النصارى التسلط ونهب الحصون والقلاع، بل لقد نهب ألفونس طليطلة الجوهرة الكبرى، والمعتمد وأمثاله من أمراء الطوائف فى غفلة يعمهون. وقيضّ الله للمسلمين هناك ابن تاشفين، فقلّم أظفار ألفونس وردّ كيده فى نحره ونحر أتباعه مذمومين مدحورين على نحو ما يصور ابن القصيرة فى رسالته. واحتفظت الذخيرة برسالة لابن القصيرة على لسان يوسف بن تاشفين وجّه بها إلى أبى عبد الله محمد بن على بن حمدين حين ولاه القضاء بقرطبة سنة ٤٩٠ وله يقول:
«استهد الله يهدك، واستعن بالله يعنك، وتولّ القضاء الذى ولاّكه الله بجدّ وحزم، وجلد وعزم، وأمض القضايا على ما أمضاها الله تعالى فى كتابه وسنة نبيه، ولا تبال برغم راغم، ولا تشفق من ملامة لائم. . وقد عهدنا إلى جماعة المرابطين أن يسلّموا لك فى كل حقّ تمضيه، ولا يعترضوا عليك فى قضاء تقضيه، ونحن أولا وكلّهم آخرا مذ صرت قاضيا سامعون منك، غير معترضين فى حق عليك، والعمال والرعية كافّة سواء فى الحق».
وواضح أن ابن تاشفين يجعل القاضى فوقه وفوق الرعية جميعا، ويقول إنه ليس لجماعة المرابطين فى الأندلس من أولى العقد والحل الحق فى أى اعتراض يوجهونه إليه أو إلى قضائه، ويوسف بن تاشفين نفسه أولا ثم المرابطون جميعا مذ صار قاضى الجماعة فى قرطبة قد أصبحوا خاضعين له ولأحكامه. وهو جانب مشرف فى القضاء الإسلامى، نجده فى كل مكان، ونقصد استقلاله وأن مكانة القاضى فوق مكانة الحاكم مهما بلغ من السلطان. وقد نشر الدكتور محمود مكى مجموعة من رسائل كتاب الديوان المرابطى فى عهد على بن يوسف بن تاشفين فى المجلد السابع من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية فى مدريد بينها تسع رسائل لابن القصيرة من الرسالة الخامسة فى المجموعة إلى الثالثة عشرة، والسابعة فى ترتيب المجموعة أشبه بمنشور وجهه إلى أهل الأندلس بلسان على بن يوسف، وكان فى زيارة لقرطبة، وفيه ينصح الأندلسيين بطاعة الوالى وأن لا يعصوا له أمرا قائلا:
«إنه النائب عنا فى تدبيركم، وإقامة أموركم، وسياسة صغيركم وكبيركم، وقد فوّضنا