للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى نصر دين الإسلام، ومنع جانبه أن يضام، أو يناله من عدوه اهتضام (١)، ونحن وإن كنا قد بالغنا فى الاحتشاد والاستعداد، واستنهضنا من الأجناد، ما يربى على الحصى والتّعداد، فإنا نعتقد اعتقاد يقين، بقول ربّ العالمين، فى كتابه المبين {قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ} أن استنفار الدعاء، واستفتاح أبواب السماء، بخالص الثناء، من أنفع الأشياء، وأنجح الدواء، فيما أعضل (٢) من الأدواء».

وكانت هذه السنة حقا من السنوات التى أبلى فيها المرابطون بلاء عظيما فى قتال نصارى الشمال سواء نصارى أراجون أو برشلونة أو القشتاليين. وإنه لمما يحمد لهم ولعلى بن يوسف أنهم ظلوا لا يغمدون سيوفهم أبدا وظلوا يواجهون أعداءهم منزلين بهم ضربات قاصمة، وكان النصارى أحيانا ينتصرون فى بعض الوقائع، ولكن سرعان ما كان المرابطون يأخذون ثأرهم، ويكيلون لهم الصاع صاعين. وفى أثناء ذلك كتب المعاهدون من النصارى من أهل الذمة-وخاصة فى غرناطة-إلى الملك النصرانى ألفونس بن رذمير ملك أراجون يدعونه للاستيلاء على ما بيد أهل الأندلس من البلدان، فلباهم فى أواخر شعبان سنة ٥١٩ وقاد جيشا كثيفا اخترق البلاد من سرقسطة إلى غرناطة، وهاجم كل ما فى طريقه من بلدان مثل دانية ومرسية ووادى آش وحاصر غرناطة غير أنه اضطر إلى فك الحصار عنها، وكان قد واقعه المرابطون بجوار اليسانة بالقرب من قرطبة ولم يكتب لهم النصر، ومضى على وجهه مخترقا إقليم البشرّات ومالقة إلى البحر المتوسط، واتجه إلى الشمال عائدا إلى موطنه (٣). وكان قد ظل فى هذه الحملة نحو سنة يعيث فى الأندلس مما أغضب أهلها أشد الغضب، وخاصة على المعاهدين من أهل الذمة الذين يعايشونهم لا لأنهم كاتبوا ملك أراجون فحسب بل أيضا لأنهم كانوا يشدون أزره أينما توجه ويدلونه على عورات البلاد ويبذلون له كل عون. وكان يزيد فى غضبهم شئ من تقاعس تميم بن يوسف بن تاشفين والى غرناطة وقرطبة فى تلك السنة. وانتدب أبو الوليد بن رشد الفقيه الكبير جد الفيلسوف ابن رشد نفسه للوفود على أمير المرابطين على بن يوسف بمراكش وإطلاعه على صنيع المعاهدين من أهل الذمة واستدعائهم لملك أراجون وعونهم له فى حملته مما نقضوا به العهد الموثّق بينهم وبين


(١) اهتضام: ظلم.
(٢) أعضل: أعجز. الأدواء: الأمراض.
(٣) انظر فى هذه الحملة الإحاطة (طبعة عنان) ١/ ١١٤، والحلل الموشية ٧٥ وتاريخ الأندلس فى عهد المرابطين والموحدين لأشباخ ترجمة عنان ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>