للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين «وأفتى بتغريبهم عن أوطانهم (١)» ووعده على بن يوسف أن يأخذ بفتواه، وأمر ابن أبى الخصال أن يكتب إلى أهل الأندلس-وخاصة أهل غرناطة وقرطبة-يطمئنهم بأنه سيتخذ من الإجراءات ما يرضيهم، وصدع ابن أبى الخصال بأمره، وكتب إليهم رسالة ضافية جاء فيها:

«وفد إلينا، وورد علينا، الفقيه الأجّل المشاور أبو الوليد بن رشد، فبسط لدينا شأن تلك الجزيرة-كلأها الله-وجلاّه، ووصف من حالها ما أصخنا له حتى استوفاه، وجال بميدان البيان أفصح مجال، وعرض الأمور فى معرضها بأبلغ مقال. . ولن نألو (٢) جهدا مبذولا، وجدّا حفيلا، وعزما لا نابيا ولا كليلا (٣)، فيما ندرأ وندفع، ونذود عن حوزة (٤) الملة ونمنع، وندأب لذلك الدّأب الحثيث (٥)، نتبع القديم فيه بالحديث، وننصب له النّصب الذى ليس حبله السّحيل (٦) ولا الّنكيث (٧)، ولا يشغلنا عنه شاغل وإن أهمّ، بل نصرف نحو جنابكم الحزم الأتمّ الأهم، وجهد الكفاية مادهم حادث وألمّ، فاستشعروا أن أموركم إزاء ناظر اهتبالنا (٨)، ومن آكد مؤكّدات أشغالنا، وقد عاين الفقيه الأجلّ المتقدم الذكر، حقيقة الأمر، وسيبلغكم ذلك عنه فلا تكونوا فى ريب منه، والله تعالى يعيننا على ما نحن بصدده، ويمنحنا من تأييده ما يعزّ الإسلام ويقيم من أوده (٩)، بحوله وطوله، وعدله وفضله».

وفعلا نفّذ على بن يوسف فتوى الفقيه ابن رشد، فأمر فى رمضان من سنة ٥٢٠ بإجلاء المعاهدين من النصارى الذين نقضوا العهود الموثقة إلى مكناسة وسلا وغيرهما من بلدان المغرب، وعزل أخاه تميما عن غرناطة وقرطبة لتقصيره إزاء حملة ابن رذمير.

وإذا كان المرابطون قصّروا-أو أخذ عليهم شئ من التقصير-فى مواجهة ابن رذمير فإنهم طالما أبلوا فى منازلة النصارى الشماليين وأبلى معهم تميم كما حدث فى موقعة أقليش التى انتصروا فيها على جيش ألفونس السادس ملك قشتالة، وفيها كان مصرع ابنه شانجه. وواضح مما اخترناه من كتابات ابن أبى الخصال الديوانية أنه كان كاتبا مجيدا يحسن انتخاب الكلم فى نسق محكم من السجع الرصين.


(١) الإحاطة ١/ ١١٩ - ١٢٠.
(٢) نألو جهدا: نقصر فى جهد.
(٣) كليلا: ضعيفا.
(٤) حوزة الملة: حدودها وجوانبها.
(٥) الحثيث: السريع.
(٦) السحيل: المفتول على قوة واحدة فتلا خفيفا.
(٧) النكيث: المنقوض المشعث، ضد المفتول.
(٨) اهتبالنا: اغتنامنا الفرصة.
(٩) أوده: اعوجاجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>