الوحشة، فترك بلنسية إلى بلدته جزيرة شقر، وكان سلطان ابن هود أمير مرسية قد اتسع، فكتب له فى سنة ٦٢٩ وعيّنه ابن هود قاضيا فى شاطبة، جامعا له بين القضاء والكتابة كما تدل على ذلك بيعة طويلة كتبها باسم ابن هود عن نفسه وعن أهل شاطبة فى الأندلس للمستنصر العباسى مع بيعة الناس فيها أيضا له ولابنه وليا للعهد من بعده.
وابن هود فيها يعلن ولاءه وطاعته للخليفة العباسى استكمالا لثورته على الموحدين وما يدّعون من خلافتهم. وربما ظل يجمع بين عمله فى الكتابة لابن هود وقضاء شاطبة. وتوفى ابن هود سنة ٦٣٥ وخلفه عمه واستولى منه على الحكم عزيز بن خطاب، واتخذ ابن عميرة كاتبا له، وقتل ابن خطاب. وكان ملك أراجون قد استولى على بلنسية، وقبله بقليل استولى ملك قشتالة على قرطبة، وشعر ابن عميرة أن مستقبل الأندلس مظلم، فرأى الهجرة منها إلى المغرب، وعبر الزقاق، ونزل سبتة عند واليها ابن خلاص فرحب به، ولم يلبث أن لقى الخليفة الموحدى الرشيد فى مدينة الرباط حين زارها، وصحبه معه إلى حاضرة مملكته:«مراكش» وألحقه بدواوينه، ولبث بها ابن عميرة قليلا، إذ عينه الرشيد قاضيا فى؟ ؟ ؟ سلا والرباط. وتوفى الرشيد سنة ٦٤٠ فأقرّه أخوه السعيد على عمله، ثم نقله إلى مكناسة، ونراه فيها يكتب باسم أهلها بيعة لسلطان تونس أبى زكريا الحفصى، ويبدو أنه إنما أغراه بذلك أنه رأى بوضوح أن دولة الموحدين تحتضر، وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة. وعاد إلى سبتة يكتب لحاكمها. وفى سنة ٦٤٦ تحوّل إلى أبى زكريا سلطان تونس ودولته الحفصية، ونزل بجاية وأفضال أبى زكريا تتوالى عليه. ولم يلبث أبو زكريا أن توفى سنة ٦٤٧ وخلفه ابنه المستنصر، فاستقدمه إلى تونس، وولاه القضاء فى قسنطينة وغيرها، ثم استخلصه لنفسه مستشارا وأنيسا، وغمره بأفضاله إلى أن توفى سنة ٦٥٨ للهجرة.
وطبيعى أن تكون لابن عميرة رسائل ديوانية كثيرة، إذ كتب لحكام بلنسية من الموحدين وخاصة لأبى زيد الموحدى، وكتب بعده لحكامها: زيان بن مردنيش الثائر عليه وابن هود أمير مرسية وعزيز بن خطاب صاحبها والرشيد الموحدى، ومن أقدم رسائله رسالة كتبها عن أبى زيد الموحدى أمير بلنسية إلى المستنصر الموحدى سنة ٦٢٠ يستأذنه فى وفود أمير نصرانى عليه من أراجون يسمى:«بلاسكو أرطال» كان وصيا على ملكها خايمى، ولما استبد بالملك اختلف معه ونفاه فلجأ إلى بلنسية، واستقبل بالترحيب على أمل كاذب أن يكون فيما بعد عونا لحاكم بلنسية فى حروبه ضد ملك أراجون. وصوّر ابن عميرة هذا الأمل المخطئ وأمر هذا اللاجئ فى رسالته، وقد احتفظ القلقشندى فى الجزء