للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس من صبح الأعشى بشطر كبير منها، وفيها يقول عنه ابن عميرة:

«كان له فى البلاد الأرغونيّة زعامة فى شأوها (١) برّز، ولغايتها أحرز، وكان قد كفل صاحب أراجون فى الزمان المتقدم كفالة دار أمرها عليه، وألقى زمامها إليه. ثم إنه حطّ من رتبته، وتأكدت المبالغة فى نكبته. . والظاهر من حنقه على أهل أراجون وشدة عداوته لهم، وما تأكّد من القطيعة بينه وبينهم، أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمّله من إحسان الأمر العالى-أيّده الله-فينتهى من نكايتهم والإضرار بهم إلى غاية غريبة الآثار، مفضية به إلى درك الثار، وكثير من زعماء أراجون ورجالها أقاربه وفرسانه وكلهم-فى حبله-حاطب (٢)، ولإنجاده-متى أمكنه-خاطب».

وكأن أبا زيد ومن حوله لم يأخذوا درسا من التجاء ألفونس القشتالى إلى طليطلة حين حاربه أخوه شانجه وانتصر عليه وفرّ منه إلى دير، ولجأ إلى المأمون أمير طليطلة فرحب به وبالغ فى إكرامه تسعة شهور متعاقبة، عرف فيها مداخل حصن طليطلة العتيد ومخارجه، فلما توفى أخوه وأصبح ملكا على قشتالة لم يكن له هم إلا الاستيلاء على طليطلة، واستولى عليها، وكان ذلك بدء ضياع الأندلس منذ هذا التاريخ، وهو درس كان ينبغى أن لا ينساه أبو زيد، وخطأ أكبر الخطأ أن يفتح حكام بلدة صدورهم وبلدهم لأعدائهم ظانين أنهم يستطيعون أن يحيلوهم أصدقاء أو ما يشبه الأصدقاء، وما أبعده وهما أن يصبح العدو صديقا فما بالك إذا كان العدو محاربا لك، ولكن هكذا قدّر لبلنسية أن يحكمها غرّ ليس عنده بصر بالأمور وأن يجد فى كنفه «بلاسكو» الأرجونى عدوه الأمان والضيافة لمدة عامين متعاقبين، ويرجع إلى بلده، ويعود منها بعد قليل مع ملكها بجيش يستولى به على بلنسية بعد تنكيله بأهلها تنكيلا شديدا.

ونقف قليلا عند البيعة للخليفة العباسى المستنصر التى أشرنا إليها والتى كتب فيها ابن عميرة رسالة طويلة بعقد ابن هود على أهل شاطبة الولاء لهذا الخليفة والبيعة لنفسه ولابنه وليا للعهد من بعده، وهو يستهلها بحمد الله والصلاة على رسوله بهذا النمط:

«الحمد لله الذى جعل الأرض قرارا، وأرسل السماء مدرارا، وسخّر ليلا ونهارا، وقدّر آجالا وأعمارا، وخلق الخلق أطوارا، وجعل لهم إرادة واختيارا، وأوجد لهم تفكّرا


(١) شأوها هنا: سلطانها.
(٢) يقال حطب فى حبله إذا آعانه ونصره.

<<  <  ج: ص:  >  >>