أبى سالم وعرض عليه بعض كلمات كتبها فى مصنفه «روضة التعريف» تتصل بآراء الصوفية المتفلسفة من مثل الحلول والاتحاد، وأعلن النكير عليه موبخا له، ونقل إلى السجن، وأخذ القوم يتشاورون فيه وأفتاهم بعض الفقهاء قصار النظر بقتله، ودسّ إليه فى السجن من قتلوه خنقا، وألقيت جثته على قبره، ويقال إنه أضرمت عليه نار فاحترق شعره واسودت بشرته، ووورى التراب. وعجب الناس فى فاس وفى غرناطة من هذا التمثيل الشنيع، وعدّوه من هنات ابن زمرك تلميذه العاق.
ولم يكن ابن الخطيب متصوفا فضلا عن أن يكون متصوفا فلسفيا كما حاول ابن زمرك أن ينعته بذلك كذبا عليه وافتراء، إنما كان كاتبا موسوعيا كما تشهد بذلك مصنفاته الكثيرة، وقد كتب فى التصوف كتابه «روضة التعريف» لشيوع التصوف فى زمنه بالأندلس وخاصة بالمغرب، ولو كان متصوفا حقا لهجر الدنيا وعاش فى زاوية- أو ضرب فى الأرض-ناسكا مثل ابن عربى وابن سبعين والششترى. ولا نخليه من ميول إلى الزهد والتصوف كما تدل على ذلك أشعاره ولكن هذا شئ والتصوف الحقيقى شئ آخر، وفيه يقول المقرى:«هو لسان الدين وفخر الإسلام بالأندلس فى عصره الطائر الصيت المثل المضروب فى الكتابة والشعر والمعرفة بالعلوم على اختلاف أنواعها» ويقول ابن خلدون فى وصف براعته الأدبية: «كان آية من آيات الله فى النظم والنثر والمعارف والأدب لا يساجل مداه، ولا يهتدى فيها بمثل هداه». ومما قيل فيه:«كاتب الأرض إلى يوم العرض». وله-بجانب ديوانه: الصيّب والجهام-مقامة بناها على المفاخرة بين سلا فى المغرب ومالقة فى الأندلس وثلاث رحلات منها رحلتان فى وصف البلدان وصف فيهما بلدان الأندلس والمغرب هما:«خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف» فى وصف بعض البلدان الأندلسية الشرقية، و «معيار الاختبار فى ذكر أحوال المعاهد والديار» فى وصف بعض البلدان المغربية والأندلسية. وهذه الأعمال منشورة وكذلك رحلته نفاضة الجراب، وسنعرض لكل ذلك فى موضع آخر. ونقف قليلا عند رسائله الديوانية.
وعادة إذا كانت الرسالة الديوانية موجهة إلى أحد السلاطين ممن يلقبون أنفسهم بالخلافة مثل سلاطين تونس أو يكتفون بالسلطنة فقط مثل سلاطين بنى مرين أن تذكر لفظ الخلافة أولا أو يذكر لفظ المقام أو المقر ويطيل لسان الدين فى هذا الوصف، ثم يذكر ألقاب الخليفة أو السلطان المرسل إليه، كما يطيل فى الدعاء له ولدولته ويذكر السلطان