للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك ويكتبون رقعة بتحالف الرياحين جميعا على أنها أعطت للورد قيادها وملّكته أمرها، واعترفت بأنه أميرها المقدم لخصاله والمؤمّر لسوابقه، وهى لذلك تلتزم له بالسمع والطاعة والرقّ والعبودية. وربما كنى بالورد عن أمله فى أن يكون وزيرا لابن جهور مفضلا له على كل من حوله. وقد طارت شهرة هذه الرسالة وحاكاها غير كاتب، وممن حاكوها معاصر ابن برد حبيب صاحب كتاب فصل الربيع وسنترجم له عما قليل، أما ابن برد فسنترجم له بين أصحاب الرسائل الأدبية.

ويكتظ كتاب الذخيرة لابن بسام بالرسائل الشخصية يدبّجها كتاب الدواوين والوزراء والشعراء وينمقونها صورا مختلفة من التنميق، وممن روى له كثيرا من رسائله الشخصية أبو محمد بن عبد البر الذى ترجمنا له بين كتاب الرسائل الديوانية، وله رسائل كثيرة فى الشفاعات والوسائل والمودة وفى التهنئة والتعزية، من ذلك تعزيته لأب فى فتى له استشهد فى قتال أعداء الدين الحنيف، وفيها يقول (١):

«كتبت عن قلب يقشعرّ، ونفس بين ضلوعها لا تستقرّ، لخبر الرّزء الهاجم، والنبأ الشنيع الكالم. . فيا لها حسرة ما أنكاها (٢) للنفوس، وجمرة ما أذكاها (٣) فى القلوب.

وروعة ما أفتّها للأعضاد، ولوعة ما أحرّها على الأكباد:

وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا

ولقد خرج من بيته مجاهدا، وعن حمى الدين ذائدا، فوقع أجره على الله. . وأنت الطّود الموفى (٤) على كل هضبة، المعلّى على كل فرحة وكربة. والله-يا سيدى-فى نفسك العزيزة أن يكون فيها كامن رزء (٥) يقدح، أو أن يوهن منها باطن أسى يفدح»

وكان يعاصر أبا محمد ابن حيان مؤرخ الأندلس الكبير المتوفى سنة ٤٦٩ وقد ترجم له ابن بسام ترجمة ضافية، وسنترجم له فى غير هذا الموضع، وروى ابن بسام له رسائل شخصية بديعة، وفى إحداها يقول مهنئا بعض العمال بخلاصه من نكبته (٦):

«كتابى عن نفس قد أشرق وجه صباحها، وهبّت رياح ارتياحها، بما طلع علينا من


(١) الذخيرة ٣/ ٢١٩.
(٢) ما أنكاها: ما أنكأها أى ما أشد جرحها وألمها.
(٣) ما أذكاها: ما أحرّها.
(٤) الموفى: المشرف.
(٥) رزء: مصيبة.
(٦) الذخيرة ١/ ٥٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>