للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البشائر السارّة بخلاصك، وجميل انفكاكك، على حين بلغت قلوب الأودّاء الحناجر، وكادت موارد الحزن لا تكون لها مصادر، فإن الأيام عمّت فيك، بإساءتها إليك، كلّ منتسب إلى فضل، متّسم باسم نبل، وإن كانت قد أصابت فيك سواد ناظرها الذى تضئ به وتتجمّل، وسخت منك بحلى جيدها الذى يحقّ به أن تبخل. . وقد صادفت منك الإبريز (١) الذى لا يزيده السّبك إلا تمحيصا، والمبرّز الذى لا يعقبه تحوّل الأحوال نكوصا، تتلقى الخطوب بصدر وساع، (٢) وصبر منفسح الباع، وتسبر (٣) الدهر بمسباره، وتعرف من مكنونه حقيقة إيراده وإصداره».

ونلتقى بابن الدباغ كاتب المقتدر بن هود أمير سرقسطة، وسنخصه بكلمة، وكان يكتب للمقتدر أيضا أبو عمر (٤) الباجى المتوفى سنة ٤٧٥ وروى له ابن بسام رسالة على لسان زهر البهار وجّه بها إلى المقتدر بن هود مزدلفا إليه آملا أن تكون له الحظوة الكبرى بين كتابه ووزرائه كما للبهار بين نواوير الربيع وفيها يقول (٥):

«أطال الله بقاء المقتدر مولاى وسيدى ومعلى حالى ومقيم أودى (٦)، وأعاذنى من خيبة العناء، وعصمنى معه من إخفاق الرّجاء، ولا أشمت بى عدوا من الرياض يناصبنى (٧)، وحاسدا من النواوير يراقبنى، وقد علم الورد موقع إمارتى، وغنى بلطيف إيمائى عن عبارتى. . وقد أتيت فى أوانى، وحضرت وغاب أقرانى، ولم أخل من خدمتك رتبتى ومكانى. . فهل لمولاى أن يحسن إلىّ صنيعا، ويكرم النّور جميعا، ويدنينى فأرقى إلى أختى الثّريّا سريعا، فى مجلس قد أخلصته سحائبه، وأفرغت الحسن عليه والطيب ضرائبه (٨)، وجهك بدره، وغرّتك فجره، وأخلاقك زهره، وثناؤك درّه وعطره»

والباجى يجعل البهار فوق الورد وجميع الأزهار مصورا بلسانه مطامحه فى التقدم عند المقتدر فى مجالس تدبيره وأنسه على جميع كتابه ووزرائه. ولمواطنه كاتب المقتدر حسداى (٩) -وكان يهوديا وأسلم وحسن إسلامه-رسالة مماثلة كتب بها إلى المقتدر على


(١) الإبريز: الذهب الخالص.
(٢) وساع: متسع.
(٣) تسبر: تختبر. مسبار: آلة الاختبار.
(٤) انظر ترجمة الباجى فى القلائد ١٠٢ والذخيرة ٢/ ١٨٦ والخريدة ٢/ ٣١٣ والمغرب ١/ ٤٠٥.
(٥) الذخيرة: ٢/ ١٩٤.
(٦) أودى: اعوجاجى.
(٧) يناصبنى: يفادينى.
(٨) ضرائبه: طبائعه وسجاياه.
(٩) راجع ترجمته فى القلائد ١٨٣ والذخيرة ٣/ ٤٥٧ والخريدة ٢/ ٤٨ والمغرب ٢/ ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>