الأبيات وجلب الأشطار، مما جعل الرسالة فى حاجة شديدة إلى التعريف بما عدد فيها ابن زيدون من الأعلام وأخبارهم ومن الأمثال والأشعار المنثورة، وتجرد لذلك ابن نباتة فى شرحه لها، وهو يستهلها على هذه الشاكلة:
«أما بعد أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله، البيّن سقطه، الفاحش غلطه، العاثر فى ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذّباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش فى الشّهاب (الضوء). . وإنك راسلتنى مستهديا من صلتى ما صفرت (خلت) منه أيدى أمثالك، مرسلا خليلتك مرتادة وقد أعذرت (جهدت) فى السفارة لك، وما قصّرت فى النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه (مادته) قاطعة أنك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال، واستعليت فى مراتب الجلال، واستوليت على محاسن الخلال، حتى خيّلت أن يوسف عليه السلام حاسنك (باراك فى الحسن) فغضضت منه، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت، وكسرى حمل غاشيتك (مظلّتك) وقيصر رعى ماشيتك، والإسكندر قتل دارا فى طاعتك».
ويظل ابن زيدون يورد على ابن عبدوس رجالا وأعلاما تاريخيين عديدين، مدعيا أن جميعهم تصرّفوا عن إرادته محاولين الزلفى إليه من مثل أردشير ملك الفرس القديم وجذيمة الملك العربى الجاهلى. ويقول له إن شيرين زوجة أبرويز نافست ابنته بوران فيه وفى حسنه، وكليبا إنما حمى حماه بعزته، ومهلهلا أخاه إنما طلب ثأره بهمته، وحاتما إنما جاد بأمواله والسّليك بن السّلكة العدّاء الجاهلى إنما عدا على قدميه، وسحبان البليغ إنما كان يتكلم ببيانه، وأن الحجاج إنما تقلد ولاية العراق بحظّه، والمهلب القائد الأموى إنما ظفر بالخوارج الأزارقة بقوته. وليس هناك فيلسوف لليونان أو عالم لهم-ويعددهم- إلا صدر عن فكره، وبالمثل ليس للعرب مفكر ولا فيلسوف مشهور إلا منحه القدرة على ابتداعه، وما بلغاؤهم بالقياس إليه؟ إن عبد الحميد الكاتب بارى أقلامه وسهل بن هرون مدون كلامه والجاحظ مستمليه، وبالمثل الفقهاء الكبار من أمثال الإمام مالك. بل هو الذى أقام البراهين ووضع القوانين وحدّ ماهية الأشياء وبيّن الكيفية والكمية وناظر فى الجوهر والعرض وفرّق بين الصحة والمرض. حتى إذا بلغ ابن زيدون من ابن عبدوس كل ما أراد من سخرية أخذ يكويه بسياط هجائه معددا صفاته الذميمة، وكأنما جمع كل مثلبة. وتتوالى المثالب، فهو خسيس أرعن مفرط الحمق سيىّء الإجابة والسمع، ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس، كلامه تمتمة وبيانه فهفهة، ودينه زندقة، وباقل المشهور بالعى