عند العرب بليغ بالقياس إليه، ووجوده عدم، والاغتباط به ندم، والخيبة منه ظفر والجنة معه سقر، وأين هو من ولاّدة؟ إن الشرق والغرب لا يجتمعان ولا يتقاربان. ويجعلها تهدده وتتوعده بسوء المصير حتى كأنما يطلب حتفه، ويقول له على لسانها مقارنا فى سخرية شديدة بينه وبين من يختلفون إلى ندوتها من نوابغ الشباب الأفذاذ.
«النار، ولا العار، والمنيّة، ولا الدّنية، والحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها، وما كنت لأتخطّى المسك إلى الرّماد، فإنما يتيمّم من لم يجد ماء. . ولعلك إنما غرّك من علمت صبوتى إليه وشهدت مساعفتى له من أقمار العصر، وريحان المصر، الذين هم الكواكب علوّ همم، والرّياض طيب شيم. . ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلا واو عمرو فيهم، و؟ ؟ ؟ كالوسيظة (النتوء) فى العظم منهم. وإن كنت إنما عطّرت أردانك (أكمامك) وجررت سروالك، واختلت فى مشيتك، وحذفت فضول لحيتك، وأصلحت شارتك، ومططت حاجبك، ورقّقت خطّ عذارك، واستأنفت عقد إزارك، رجاء الاكتنان فيهم، وطمعا فى الاعتداد منهم، فظننت عجزا، وأخطأت الغرض».
وتمضى ولادة قائلة لابن عبدوس فى سخرية مرة: فلو أن عمرو بن هند ملك الحيرة أعطاه برديه وحلّته مارية بنت ظالم زوجة أحد ملوك الغساسنة بالقرطين اللذين أهدتهما إلى الكعبة، وقلّده عمرو بن معد يكرب الفارس القديم سيفه الصمصامة، وحمله الحارث بن عباد سيد وائل فى الجاهلية على فرسه النعامة، ما شكّت فيه ولا أخفى ذلك كله أصله ونسبه، وهل يجتمع لها فيه إلا خلّتان سيئتان: كأردأ التمر وسوء كيله وهل يقترن عليها به إلا ما اقترن على عامر بن الطفيل الذى دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فاقترنت غدّه فى رقبته بموته ميتة ذليلة فى بيت سلوليّة. وتقول له هازئة به ساخرة إنه كان أجدر به أن يقدر الأمر تقديرا دقيقا فلا يكلف نفسه ما لا تستطيعه، حتى لا يكون مثله مثل الكلبة براقش التى غزا أصحابها قوم فلم يعرفوا مكانهم ونبحت فدلّتهم، وضرب العرب بها المثل فى الشّؤم، فقالوا «دلّت على أهلها براقش». ويختم ابن زيدون الرسالة قائلا على لسانها: «قد أعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيّا، وإن بادرت بالندامة، ورجعت على نفسك بالملامة كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك، وإن أنشدت:
لا يؤيسنّك من مخدّرة ... قول تغلّظه وإن جرحا (١)
فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه بعثت من يزعجك إلى الخضراء