للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فآواها إلى كنفه، ونعّمها بطرائف تحفه، وأطلع لها السّرّ، وأكمل لها البرّ، فحييت بقربه، وشربت بكأس حبّه».

والنزعة الصوفية ماثلة فى الرسالة، وهى تعد مقدمة لما سيكون من ازدهار التصوف فى زمن المرابطين والموحدين إذ يظهر فيه كثرة ممن أشربوا كأس المحبة الإلهية من أمثال ابن العريف وابن عربى والششترى، ومرت لهم فى الفصل الماضى ترجمات تعرّف بمنزعهم الصوفى وأهم آثارهم وفيها وعظ كثير. وإذا تركنا المتصوفة ووعظهم إلى الوعظ العام وأهله وجدنا من أدباء الأندلس الذين يجمعون بين نظم الشعر وكتابة النثر طائفة تحاكى أبا العلاء المعرى فى كتابه الوعظى: «ملقى السبيل» وقد جعله على الحروف الأبجدية، وعادة يذكر سجعات قليلة ويتلوها بأبيات بنفس معناها، وربما كان ابن أبى الخصال الذى ترجمنا له فى هذا الفصل أول من حاول محاكاته فى هذا الاتجاه (١)، وكثر بعد ذلك من عارضوه فيه من مثل أبى القاسم السهيلى المتوفى سنة ٥٨١ وسمّى معارضته له باسم:

«حلية النبيل فى معارضة ملقى السبيل (٢)» وعارضه سليمان بن موسى الكلاعى المتوفى شهيدا سنة ٦٣٤ باسم «مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبى العلاء فى ملقى السبيل» (٣) وغيرهم كثير. ونستطيع أن نقول إن معارضة أبى العلاء فى وعظه بملقى السبيل كانت أشبه بجدول انبثق من نهر الوعظ الكبير. ونلتقى فى عصر المرابطين بأبى بكر الطرطوشى وسنخصه بكلمة.

وكان ابن جبير المتوفى سنة ٦١٤ قد أشاد فى رحلته-كما مر بنا-بابن الجوزى ومواعظه، وحملها عنه بعض الأندلسيين وأكبّ عليها غير أديب أندلسى يحاكيها على نحو ما يلقانا عند أبى المطرف بن عميرة المترجم له بين الكتاب والمتوفى سنة ٦٥٨ إذ يقول المراكشى: «له فصول وعظية على طريقة الإمام أبى الفرج بن الجوزى» وله قوله من عظة (٤).

«يا أعمى الهوى غاب عنك وضح النهار، طالت غيبتك عنا فأىّ يوم تكون فى الزوّار، العمر قد مضى ولم يبق إلا القليل، وأنت تعيش بالمنى والتّعليل، ، أين الإخوان


(١) انظر تاريخ الأدب الأندلسى: عصر المرابطين للدكتور إحسان عباس ص ٢٨٧.
(٢) الإحاطة ٣/ ٤٧٩ وصحفت فيها لفظة «ملقى».
(٣) الذيل والتكملة للمراكشى بقية السفر الرابع ص ٨٦.
(٤) كتاب أبى المطرف بن عميرة ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>