للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوافدين عليه الملمين به مثل الشاعر ابن عبدون، وله معهم مطارحات. وينزل أشبونه سنة ٤٧٧ ويلتقى بأديبها ابن الدودين ويكتب عنه طائفة من نظمه ونثره، مما يدل على أنه أخذ يشغف بالتعرف على أدباء موطنه منذ شبابه وتدوين بعض أشعارهم ورسائلهم.

وأكثر نصارى الشمال من الإغارة على بلدته، مما جعله يهاجر منها-كما ذكر فى مقدمته للذخيرة-مروّع السّرب، بعد أن استنفد الطريف والتّلاد، مما اضطره إلى التقلب فى البلاد. ولم يتجه إلى عاصمة إقليمه بطليوس، وإنما اتجه إلى إشبيلية عاصمة بنى عباد، وبها كان أكبر حشد حافل بالأندلس حينئذ من الكتاب والشعراء، ويقول ابن سعيد فى كتابه الرايات إنه اتخذها موطنا له، ويذكر ابن بسام إنه خدم فى بعض أعمالها السلطانية، ولعله بدأ ذلك بأخرة من عهد المعتمد بن عباد. ولم يلبث أن أظله فيها عهد المرابطين وأميرها ابن أخى يوسف بن تاشفين الذى مهد له سلطانه على الأندلس: سير بن أبى بكر، وقد ظل يلى إشبيلية-فيما يقال-سبعة وعشرين عاما. ويشيد ابن بسّام فى مقدمته للذخيرة بعهده وبما أسبغ عليه وعلى الأدباء من العطاء الوفر، ولم يسمّه، ولكن من الواضح أن هذا الثناء المستطاب على من خلف فى حكم إشبيلية والبلاد إنما يريد به سير بن أبى بكر. ويقول إنه قدّم إلى حضرته الذخيرة مطرّزا لها باسمه حتى تجوب به الآفاق.

ويبدو أنه كان يترك إشبيلية فترات، ثم يعود إليها من حين إلى حين كما يبدو أنه استعفى من الأعمال السلطانية منذ أخذ يجمع عزمه على تحرير الذخيرة مكتفيا بما كان يغدقه عليه الكتاب والشعراء ممن يريدون أن يحظوا بشرف ذكرهم فيها وما وفّره من بيع نسخها أو إهدائها لهواة الأدب ومحبيه، ولا شك فى أن سير بن أبى بكر أعطاه فى نسخته مبلغا ضخما من المال، أكبر الظن أنه كفل له عيشة طيبة إلى أن توفى سنة ٥٤٢ للهجرة.

وكتاب الذخيرة حققه الدكتور إحسان عباس فى ثمانية مجلدات، وقد ترجم فيه ابن بسام لشعراء عصر أمراء الطوائف وأوائل عصر المرابطين وكتّابهما ترجمات ضافية، وشفع ذلك بأخبار سياسية واجتماعية عن الأمراء والحكام وأهل الأندلس ومعاركهم مع نصارى الشمال. وقسم الكتاب أربعة أقسام: قسم لقرطبة وما يصاقبها من موسطة الأندلس، وقسم لإشبيلية وأهل الجانب الغربى حتى ساحل البحر المحيط، وقسم لأهل الجانب الشرقى من دانية وبلنسية إلى الثغر الأعلى، ثم قسم رابع خاص بالوافدين على جزيرة الأندلس من المشرق والبلاد المغربية. وهو حين يعرض كاتبا أو شاعرا أو أميرا أو وزيرا لا يكتفى بكلمات مجملة أو مقتطفات شعرية ونثرية قليلة بل يعمد إلى التفصيل وذكر الدقائق مستعينا بمؤرخ عصر الطوائف ابن حيان فى كتابه المتين وبقدرة تحليلية

<<  <  ج: ص:  >  >>