الذى قدّم به ابن الحداد، إذ يجلو ملامحه وثقافته جلاء تاما، فهو عربى الأصل من قيس، وكان مثقفا ثقافة واسعة بالفلسفة وما يتصل بها من علوم الأوائل وتنم عن ذلك أشعاره، وله فى علم العروض كتاب ردّ فيه على الفيلسوف السرقسطى الملقب بالحمار محتجا للخليل بن أحمد واضع هذا العلم بما ذكره عن الأعاريض المهملة وقد ألممنا بذلك فى ترجمة ابن الحداد. ويذكر أن مسقط رأسه مدينة وادى آش إلى الشمال الشرقى من غرناطة وأنه استوطن المرية، وعاش بها سنوات متوالية يمدح بنى صمادح أمراءها، وأنه حدث ما عكر صفو علاقته بأميرها المعتصم وسيذكر فيما بعد بالترجمة أنه اعتقل أخاه سنة ٤٦١. ويقول إنه ولّى وجهه إلى بنى هود بسرقسطة، ويذكر فيما بعد بالترجمة أنه عاد ثانية إلى المرية «وحسن بعد بها مثواه، وأكرمه المعتصم وأجزل قراه» وظل بالمرية إلى أن توفى بها سنة ٤٨٠. ويعرض علينا فى الترجمة قطعة كبيرة من نثره ورسائله، ثم يعرض علينا طرائف من شعره، ويقتطف من غزله بنويرة قطعة بديعة ويقول إن اسمها الحقيقى جميلة، وكأن أهلها سموها باسم عربى، ثم يذكر مقتطفات من مدائحه فى المعتصم بن صمادح منذ سنة ٤٥٥، ولا يتجلّى لنا ذوقه الأدبى فى جمال اختياراته من شعر ابن الحداد فحسب، بل أيضا تتجلّى لنا قدرته النقدية إذ يردّ بيتا لابن الحداد إلى أصله عند المعرى، ويقول إن النابغة الذّبيانى سبق المعرى إلى معناه وان عبد الجليل بن وهبون الشاعر يشترك مع ابن الحداد فيه ويذكر لأبى وجزة السّعدى الأموى بيتا يتعلق بالمعنى. وينشد لابن الحداد قصيدة ثانية ويلاحظ صلة بين بيت له وبيتين للمتنبى ويذكر أن المتنبى ألمّ فى بيتيه ببيتين لمسلم بن الوليد وأن مسلما مسبوق فى بيتيه ببيتين للنّمرىّ. وتلقانا مثل هذه التعليقات النقدية فى الذخيرة مرارا وتكرارا. وأشار ابن الحداد فى مدحة للمعتصم إلى قصة القارظين فى الجاهلية فاستطرد ابن بسام يقصها استرواحا للقارئ. وبذلك تكاملت ترجمة ابن الحداد سواء فى سيرته وحبه فى مطالع شبابه لنويرة أو فى ثقافته أو فى نثره أو فى شعره وطرائفه وبدائعه فى مديح المعتصم والمقتدر بن هود.
ويقول ابن بسام فى القسم الأول بحديثه عن أشعار بنى الطبنى (١/ ٥٤٤) إنه صان كتابه عن ذكر الهجاء المقذع إلا أن يكون من مليح التعريض، وكأنه أراد به منحى أخلاقيا وإن لم يطبقه بدقة أحيانا. ويمتزج هذا المنحى عنده بمنحى دينى إذ نراه فى القسم الثانى بترجمته للشاعر ابن وهبون (٢/ ٤٧٨) يحمل على الشعر الفلسفى المتأثر بمنزع المتنبى وأبى العلاء، وهو تشدد أكثر مما ينبغى. وبحقّ حمل فى القسم الأول بترجمة الوزير ابن الشماخ (١/ ٨٤١) على الاستعارات البعيدة التى يمجهّا الذوق كأن يجعل شاعر