للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشرة آلاف دينار يدفعها سنويا. وكان طبيعيا أن يهلل لعبور يوسف بن تاشفين أمير المرابطين بجنوده إلى الأندلس ومواقعته ألفونس فى الزلاقة وسحقه لجيشه سحقا كاد لا يبقى منه ولا يذر. وعاد يوسف إلى المغرب، وعاد أمراء الأندلس إلى المنافسات فيما بينهم ومدّ أيديهم إلى ألفونس السادس، كلّ يستعديه على أخيه، واستغاث الفقهاء فى الأندلس ثانية بيوسف. وأخذ المعتمد بن عباد أمير إشبيلية وعبد الله بن بلقين وغيرهما يحاولون استصراخ ألفونس خشية أن يفكر يوسف فى عزلهم وضم الأندلس إلى سلطانه.

وعرف يوسف ما يبيّتون وخشى على الأندلس من الضياع، فعبر إليها سنة ٤٨٣ وبدأ بغرناطة وأميرها عبد الله بن بلقّين، وكان لا يزال يعد جيشه للقاء يوسف كما كان يفاوض ألفونس ويرسل إليه هدايا نفيسة ويطمعه بأموال كثيرة ليمد له يد العون، ونصحه خلصاؤه أن يلقى ابن تاشفين وكان قد أصبح على مسافة فرسخين من غرناطة، فلقيه مترجّلا مرحّبا سائلا العفو، فأمّنه على نفسه وأهله وطيبّ خاطره، وصودر كل ما كان بالقصر وكل ما ملك عبد الله وأمه من أموال. وأمر يوسف بتوزيع كل ذلك على قواده ولم يستأثر منه بشئ. ونفى عبد الله إلى المغرب الأقصى مع مشيعّين يؤنسونه فى الطريق ويتكفّلون أموره، وكتب إليه يوسف: «لا أنساك ما بقيت» وأنزله بأغمات، وأسعفه-كما يقول ابن الخطيب-فى رغباته، فعاش معيشة كريمة، ورزق ولدين وبنتا، وترك لهم-حين توفّى-مالا جمّا.

وكتب عبد الله فى أثناء منفاه بأغمات كتابا باسم «التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بنى زيرى فى غرناطة» وكانت قد حفظت منه نسخة تنقص بعض الأوراق، فنشرها المستشرق بروقنسال باسم «مذكرات الأمير عبد الله». وهو فى الفصول الأولى من الكتاب يحكى مقدم بنى زيرى الإفريقيين أو التونسيين إلى الأندلس وتأسيس زاوى بن زيرى لإمارتهم فى غرناطة وتدبير حبوس بن ماكسن بعده فى تنظيم حكمها وإدارته وميراث ابنه باديس الإمارة بعده واستيلاءه على مالقة وتفويضه شئون الحكم إلى وزيره اليهودى ابن النغريلّة وازدياد نفوذ النساء فى القصر ومؤامرات ابن النغريلّة وإفساده الحكم وقتل صنهاجة له واستيلاء باديس على جيان. ثم تتعاقب ثمانية فصول فى الحديث عن إمارته، وفيها يتحول الكتاب إلى مذكرات حقيقية، مستهلا لها بالحديث عن أحداث الأندلس وتمزقها أمام ألفونس السادس وغاراته المتلاحقة على غرناطة وغيرها مما أدى إلى استيلائه على طليطلة سنة ٤٧٨ ثم ما كان من استصراخ الأمراء والسفارات لابن تاشفين وعبوره إلى الأندلس واشتراك الأمير عبد الله فى موقعة الزلاقة معه مجاهدا بماله

<<  <  ج: ص:  >  >>