وجنوده، ورجوع يوسف إلى المغرب واضطراره إلى العودة، ومبارحة الأندلس وعودة أمرائها إلى الخلاف. ويحاول أن يبرر نقضه لما عاهد عليه ابن تاشفين وأخذه فى اختزان الأقوات وبناء الأسوار وإعلاء الأبراج استعدادا لمنازلته وحربه، والسوءة الكبرى أنه عقد معاهدة مع ألفونس السادس التزم فيها بأداء الجزية له سنويا، ويقول إن ابن تاشفين علم بجميع ما صنع، فأرسل إليه يهدده وكتب إليه عبد الله يبرر مسلكه، ويعرض بعض الأحداث فى إمارته وبعض الشئون الشخصية والأحوال الاجتماعية. ويفصّل الحديث فى عبور ابن تاشفين إلى الأندلس سنة ٤٨٣ للمّ شعثها ويصور مثول جيشه أمام غرناطة وأحوالها وانصراف الناس والجند عنه واضطراره إلى التسليم وما كان من نفيه إلى المغرب الأقصى ومن عزل بقية أمراء الطوائف. وينهى المذكرات بطائفة من تأملاته وأحاديث عن نفسه وعن أولاده. والمذكرات طرفة نفيسة بما تصور من الانحلال السياسى والاجتماعى والأخلاقى فى الأندلس زمن أمراء الطوائف مما أدى إلى سقوط طليطلة فى حجر ألفونس السادس وخنوع أمرائها له وانعكاس الموقف السياسى والحربى فلم يعد نصارى الشمال يؤدون الجزية لحكام الأندلس كما كان الشأن فى العصر الأموى، بل أصبح حكام الأندلس وأمراؤها يؤدون الجزية لألفونس، وأوشكت الأندلس جميعها أن تسقط فى حجره لولا أن تداركها ابن تاشفين فقلّم أظفار ألفونس فى الزلاقة وردّه إلى وكره خاسئا مدحورا. ولا تصور المذكرات الانحلال الذى عمّ الأندلس فحسب، بل تصور أيضا غرناطة وجميع أحوالها فى عهد بنى زيرى وخاصة فى عهد أميرها عبد الله، كما تصور فساد حكمه ومنازعاته مع جيرانه ومحاولاته فى التواطئ المزرى مع ألفونس السادس أمير قشتالة عدوه ضد ابن تاشفين منقذ الأندلس من براثنه. وعبثا يحاول تبرير فساد سياسته التى أدت إلى ضياع إمارته وعزله، ونفيه إلى أغمات. ومع نفاسة هذه المذكرات عبثت بها يد بروقنسال محققها إذ لم يكن يحسن العربية فامتلأت بتصحيفات لا تكاد فى أحوال كثيرة توجد بينها مسافات فى السطور والكلمات. ونسوق من المذكرات قطعة من حديث عبد الله عن أهل غرناطة حين اقترب منها ابن تاشفين وانفضاض كل من فيها من الجند والناس عنه حتى العبيد من الصقالبة وغيرهم وحتى الخدم من النساء والغلمان، يقول (١):
«أما الجند من البربر فكانوا مغتبطين بهم (بالمغاربة) طامعين فى الزيادة على أيديهم