للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجنسية، واتفق رأيهم على أن لا يلقوه بجحد (١) وقدموا كتبهم بالطاعة، وراجعهم عليها، يعدهم بأن يبقيهم فى أماكنهم على أفضل ما كانوا عليه. . وأما من كان من التجار وأهل البلد فكانوا على نيّة أنهم مع من انتصر ولا طاقة لهم بالحرب، ولا هم أهلها، وأكثرهم خرج من البلدة يقول: «لأى وجه نحتمل الحصار؟ تاجر هنا أو صانع، كما فى غيرها.

وأما الرعية فبخ بخ، ذلك ما كانت تبغى طمعا منها فى الحرية وأنها لا يلزمها غير الزكاة والعشر. وأما العبيد والصقالبة، فالعبيد الأعلاج (الأفظاظ) أول من عصا، رجوا أن يكونوا عنده فى أعلى مرتبة. حتى الخدم من النساء والخصيان كلّ طامع فى إقبال الدنيا عليه والخروج عن ثقاف (قيد) القصر إلى راحة التسريح والاستهتار بالرجال وما أشبه ذلك. وجعفر الخصىّ منهم ولبيب كانا زعيمى المداخلة ورأسا الفتك، يقولان: «نحن لا ولد لنا ولا تالد (٢)» فعلى أى شئ نصير (٣) إلى القتال؟ وما عسى نطمع إن نصر إليه؟ هل تحصل لنا سلطنة أو قيادة أو قضاء أو فقه؟ إنما نحن بمنزلة العيال، من سبق (٤) استمتع بنا وكنا عنده من جملة الفيئ، نرزق كسائر الكسب، فلا نضيع، تعالوا بنا نقدّم لأنفسنا، ووردت عليهم كتب أمير المسلمين بالإنزالات القوّية والمثاقيل والمراتب العالية، يعدهم بذلك عند إكمال حاجته وإسلامهم (٥) له».

وعبد الله يقول إن جيشه وهو من البربر اغتبط بالمرابطين لأنهم بربر مغاربة مثله، ولما رجوا من زيادة رواتبهم، لذلك قرروا أن لا يلقوا ابن تاشفين بإنكار لصنيعه وما كان من إنقاذه للأندلس، وأرسلوا إليه يعلنون طاعتهم، فكتب إليهم برضاه عنهم وأنه مبقيهم فى أماكنهم وزائدهم فى رواتبهم. وأما التجار والصناع فهم مع من انتصر، وأما الرعية فابتهجت بمقدم ابن تاشفين، لما كان يثقل عليهم عبد الله من ضرائب متنوعة تارة باسم ألفونس السادس وتارة باسم حاجة الجيش والدولة بجانب زكاة العين وعشر الزرع.

وفعلا بمجرد أن استسلم عبد الله لابن تاشفين أسقط عن الرعية تلك الضرائب مكتفيا بزكاة العين وعشر الزرع، وانفض عن عبد الله سريعا العبيد والصقالبة آملين أن يجدوا عند ابن تاشفين مرتبة أعلى، ومثلهم الخدم من النساء والخصيان طامعين فى إقبال الدنيا عليهم. ويصور موقف الخصيان على لسان خصيين كبيرين، قالا إننا لا نعد أنفسنا شيئا إنما نحن لمن غلب، وأرسلا هما وأضرابهما الكتب إلى ابن تاشفين، وردّ عليهم بأنه


(١) فى الأصل: بحجر. جحد: نكران للحق.
(٢) فى الأصل: تلد. والتالد: القديم والموروث من المال.
(٣) فى الأصل: نصبر.
(٤) يريد: انتصر.
(٥) فى الأصل: وإسلامهم لنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>