ولا علاقة أى علاقة بين قصة ابن طفيل ومذهب الأفلاطونية الحديثة كما ظن بالنثيا وغيره، وأيضا لا علاقة بين يقظان فى القصة والمسيح، فيقظان ليس هو الله ولا حى ابن الله كما ظن بالنثيا ظنا مخطئا، ومعاذ الله أن نصل بين قصة ابن طفيل والمسيحية بأى وجه من الوجوه، والقصة تزخر بالآيات والتعبيرات القرآنية والروح الإسلامية الصوفية.
وكان حريا بغرسية وغيره أن يردّوا عناصر الإطار فى القصة إلى ما ذكره ابن طفيل نفسه من أنه استوحى فكرة ميلاد «حى» بدون أم ولا أب فى إحدى جزر الهند مما جاء عند المسعودى من أن بين تلك الجزر جزيرة يتولد فيها الإنسان من غير أن ولا أب، وبها شجر يثمر نساء. أما تصوره بأن طينا تخمّر وتخلّق منه «حى» فقد استوحى فيه مثل قوله تعالى عن أصل خلق الإنسان من طين: {(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)}. وأما على التقدير الثانى وهو أنه كان بإزاء تلك الجزيرة جزيرة يملكها رجل شديد الأنفة والغيرة وكانت له أخت ذات جمال وحسن باهر فعضلها ومنعها من الأزواج إذ لم يجد لها كفئا، وكان له قريب يسمى «يقظان» فتزوّجها سرا وحملت منه ووضعت طفلا، ولما خافت أن يفتضح أمرها وينكشف سرها وضعته فى تابوت أحكمت زمّه (إغلاقه) وخرجت به فى أول الليل إلى ساحل البحر وقذفت به فى اليمّ فحملته أمواجه إلى ساحل تلك الجزيرة فإن ابن طفيل يستلهم القسم الأول من هذا الخبر للمولود مما ردّدته بعض كتب التاريخ العربى من خبر هرون الرشيد مع أخته العباسة ووزيره جعفر بن يحيى البرمكى من أنه كان لا يستطيع الصبر عن لقائهما، فقال لجعفر أزوجها لك ليحل لك النظر إليها ولا تقربها، فقال: نعم. فزوّجها منه، وكانا يحضران معا، وكان الرشيد يتركهما فحملت العباسة من جعفر، وخافت الرشيد فسيّرت ابنها مع حواضن إلى مكة. والصلة واضحة بين ميلاد حى سرّا من أخت الملك وميلاد ابن العباسة سرا من أخيها الرشيد ومحاولة كل منهما تهريب مولودها، واستلهم ابن طفيل فى وضع أم حىّ له فى تابوت والقذف به فى يمّ نقلته أمواجه إلى جزيرة ما جاء فى القرآن الكريم عن أمّ موسى حين وضعته وخافت عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه-وكانوا يقتلون أبناء اليهود الذكور ويستحيون بناتهم الإناث فأوحى الله إليها-كما جاء فى سورة طه- {أَنِ اِقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ} ونفس الصيغة القرآنية نجدها عند ابن طفيل حين يقول عن أم حى: «وضعت ابنها فى تابوت ثم قذفت به فى اليم فاحتمله إلى ساحل الجزيرة» وهو تطابق واضح مع العبارة القرآنية. وبذلك كله يتضح أن عناصر الإطار القصصى فى قصة حى بن يقظان عناصر عربية إسلامية صوفية خالصة.