للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به البقّ والحمّى وأسد خفيّة ... وعمرو بن هند يعتدى ويجور

ولقّبه العرب بالمحرّق لأنه نذر أن يقتل مائة رجل من تميم حرقا وبرّ بنذره فى يوم أوارة باليمامة. واشتبك مع تغلب وطيئ فى بعض معاركه، ويظهر أن سلطانه امتد على قبائل كثيرة فى شرقى نجد وشماليها وغربيها، وكان بحكم استبداده يتعرض له كثير من الشعراء بالهجاء، وقصته مع طرفة والمتلمس مشهورة. وينسب إليه شعر كان ينظمه، وقد أصبحت الحيرة فى عهده مركزا أدبيّا مزدهرا، إذ كان يجزل العطاء للشعراء، فوفد عليه كثيرون منهم عمرو بن قميئة والمسيّب بن علس والحارث بن حلّزة وعمرو بن كلثوم التغلبى الذى يقال عنه إن ابن هند لقى مصرعه على يده ثأرا لكرامة أمه ليلى حين أهينت فى بيته.

وولى أمر الحيرة بعد عمرو قابوس ثم المنذر الرابع، ولم تطل مدتهما، وبذلك نصل إلى النعمان الثالث ابن المنذر الرابع المكنى بأبى قابوس (٥٨٠ - ٦٠٢) وقد نشأ فى حجر أسرة مسيحية هى أسرة عدى بن زيد العبادى، ولعل ذلك سبب تنصره فهو أول من تنصّر من ملوك الحيرة الوثنيين. وكان سلطانه يمتد إلى البحرين وعمان، وكانت له قوافل تجارية أو لطائم تجوب الجزيرة. وسار سيرة عمرو بن هند فى رعايته للشعراء، فوفد على بابه منهم كثيرون مثل أوس بن حجر والمنخل اليشكرى ولبيد والمثقّب العبدى وحجر بن خالد الذى يقول فيه (١):

سمعت بفعل الفاعلين فلم أجد ... كمثل أبى قابوس حزما ونائلا

وهو ممدوح النابغة الذبيانى، وله فيه غير قصيدة، وحدثت جفوة بينهما، بسبب وفود النابغة على الغساسنة، وأرسل له بمجموعة طريفة من قصائده يعتذر إليه وهى من أجود ما خلّف الجاهليون، وفى إحداها يقول:

نبّئت أن أبا قابوس أوعدنى ... ولا قرار على زأر من الأسد

وكان الشعراء يتعرضون له بالهجاء أحيانا وينالون منه، على نحو ما نرى عند يزيد بن الحذّاق الشنّى من بنى عبد القيس (٢) وعبد قيس بن خفاف البرجمىّ


(١) الحيوان ٣/ ٥٨ والمرزوقى على ديوان الحماسة (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ١٦٤٠.
(٢) انظر المفضليات (طبع دار المعارف) رقم ٧٨، ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>