رجعة يولى برقة اهتمامه منذ سنة ٦٦٢ للهجرة ويولّى عليها شيخا حصيفا من بنى سليم هو عطاء الله بن عزاز، ويكل إليه جباية الزكاة من الإبل والأغنام وعشر الزروع والثمار. وحين غزا لويس التاسع تونس سنة ٦٦٨ بعد إخفاقه المشهور فى غزو مصر وأسره فى دار ابن لقمان بالمنصورة أمر بيبرس ابن عزاز بإرسال نجدة سريعة إلى تلك المدينة، وأخفقت غزوة لويس التاسع لها، ومات مقهورا تحت أسوارها. وكانت بعض البلدان فى برقة تثور أحيانا على ابن عزاز، فكانت مصر تسارع إلى تأييده على نحو ما حدث فى طلميثة شمالى بنغازى وعودتها سريعا إلى الطاعة. وظل بنو عزاز يتولون برقة ويصرّفون شئونها ويشرفون على قبائلها إن لم يكن فيها جميعا ففى أكثر بلدانها وبواديها. وفى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى نازعهم فيها عريف بن عمر وابنه. وتظل برقة موالية لمصر إلى أن استولى العثمانيون على القطر المصرى من أيدى المماليك سنة ٩٢٣ للهجرة، وطبيعى أن يمدوا سلطانهم إلى برقة التى ظلّت تدين بالولاء طويلا لمصر، وظلت تستشعر هذا الولاء إلى أن ضمّها والى طرابلس العثمانى محمد الساقلى (١٠٤٣ - ١٠٥٩ هـ). إلى ولايته.
وتاريخ طرابلس ينفصل عن تاريخ برقة منذ انضمامها إلى إفريقية التونسية سنة ٣٦٧ هـ/٩٧٧ م فى عهد حكامها من بنى زيرى الصنهاجيين، وقد استقل بها بنو خزرون منذ أواخر القرن الرابع الهجرى إلى نحو سبعين عاما، وتكتسحها الهجرة الأعرابية الكبيرة لبنى هلال وبقايا بنى سليم، وتعانى من ذلك طويلا، وفى هذه الأثناء زالت السيادة العربية عن صقلية وسقطت فى حجر النورمان سنة ٤٨٤ هـ/١٠٩٢ م نهائيا، وحينئذ أخذت تتراءى فى الأفق نذر خطر جسيم على الساحل الإفريقى، فقد استولى النورمان على مالطة سنة ٤٨٥ هـ/١٠٩٣ م وأعلن روجار الثانى ملك صقلية الحرب الصليبية على الساحل الإفريقى سنة ٥٣٧ هـ/١١٤٢ م وجهّز أسطولا يحاصر طرابلس وينقب سورها، غير أن أهلها ومن وراءهم من الأعراب ردوا الأسطول على أعقابه وغنموا أسلحته، ولم يلبث شيخ من شيوخ العرب هو أبو يحيى بن مطروح التميمى أن استخلص طرابلس لنفسه، ونازعه فى سيادتها وسلطانها بعض أهليها، ونشبت بينهما الحرب، وكان النورمان يعلمون ما صار إليه الشمال الإفريقى من ضعف الدولة الزيرية الصنهاجية وانزواء تميم بن المعز وأبنائه فى المهدية وأنحائها وما تبعهم من شريط ساحلى ضيق، به جزيرة جربة وصفاقس وقابس، ولم يلبث الأسطول النورمانى أن استولى على المهدية وجزيرة جربة وصفاقس سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ وعاد إلى طرابلس يريد الاستيلاء عليها، وبدلا من أن تغمد الفئتان المتنازعتان فى طرابلس أسلحتهما ويوجهاها إلى صدور أعدائهما الصليبيين ظلا يتحاربان ويقتتلان، وبذلك هيئ الفرصة لأعدائهما النورمان، فتسلقوا الأسوار، ودخلوا طرابلس وأمعنوا فى النهب والسلب والقتل وفرضوا على أهلها جزية يؤدونها لملك صقلية، وتركوا