حكمها فى يد أبى يحيى بن مطروح، فحكمها حكما شوريا، إذ ألّف لها مجلسا مكونا من عشرة شيوخ كانوا يعقدون اجتماعاتهم فى مسجد خارج المدينة للتشاور والتداول فى تدبير أمورها.
وظل النورمان الصقليون يحكمون طرابلس أكثر من عشر سنوات، ولاح لابن مطروح وأهلها نور قوة كاسحة فى المغرب الأقصى، هو نور دولة الموحدين التى أخذت تستولى على بلدان المغرب، فعظم الأمل فى نفوس الطرابلسيين أن تمد إليهم يد العون فى التخلص من حملة الصليب، وما توافى سنة ٥٥٥ هـ/١١٦٠ م حتى يشتد بهم الغضب لأدائهم جزية لنصارى صقلية، وفى إحدى الليالى يهجمون على الحامية الصقلية، فيحرقون بيوتها بالنار حرقا، ويذبحونها عن آخرها ذبحا، حتى لا يفكر النورمان فى النزول بطرابلس ثانية. وينزل خليفة الموحدين عبد المؤمن بن على المهدية سنة ٥٥٥ بعد طرد النورمان من ساحل إفريقية التونسية نهائيا، ويفد عليه ابن مطروح على رأس وفد من رجالات طرابلس، ويحتفى بهم، ويولى ابن مطروح حاكما على طرابلس من قبله، وما زال يتولاها حتى أدركته الشيخوخة، فرأى فى سنة ٥٨٦ للهجرة أن يؤدى فريضة الحج فاستأذن أبا زيد بن أبى حفص والى تونس للموحدين، وأذن له واستقلّ سفينة، واضطرت فى طريقها إلى الإسكندرية أن تتوقف قبل الوصول إليها ورست فى موضع لا يزال ينسبه المصريون إليه هو:«مرسى مطروح» المدينة المعروفة الآن على الشاطئ المصرى. وتنبّه عبد المؤمن خليفة الموحدين للانتفاع بأعراب بنى سليم وبنى هلال فى جهاده لأعداء الدين الحنيف فى الأندلس، فكلّف القاضى ابن عمران بنظم قصيدة يستحث فيها بنى سليم للجهاد فى نصرة الإسلام كما نصره آباؤهم قديما، وصنع صنيعه ابنه يوسف حين اعتزم غزو نصارى الأندلس سنة ٥٦٦ هـ/١١٧٠ م إذ طلب إلى صديقه ابن طفيل الفيلسوف الأندلسى المشهور أن يستنفر الأعراب بقصيدة حماسية، فنظم قصيدة تتأجج حماسة ملتهبة استهلّها بقوله:
أقيموا صدور الخيل نحو المغارب ... لغزو الأعادى واقتناء الرغائب
وتأخر وفودهم على يوسف خليفة الموحدين، فأرسل إليهم ابن طفيل قصيدة ثانية، فلبّى يوسف كثيرون منهم انتظموا فى جيشه المتجه لغزو النّصارى فى الأندلس، وأكبر الظن أن ابنه يعقوب خليفة الموحدين بعده جنّد منهم كثيرين فى جيشه المظفّر الذى جاز به إلى الأندلس، وأوقع بالقشتاليين ومن كانوا معهم من نصارى الشمال وقعة الأرك المشهورة سنة ٥٩١ التى مزّق فيها أعداء الدين الحنيف كل ممزّق.
ومرّ فى حديثنا عن برقة أن المظفر تقىّ الدين ابن أخى صلاح الدين الأيوبى كان قد أرسل إلى ليبيا وإفريقية التونسية قائدين من قواده للاستيلاء عليهما، هما إبراهيم بن قراتكين وقراقوش وأن الأول استطاع الاستيلاء على قفصة بإفريقية التونسية إلى أن استولت عليها