وظلت صور التعليم القديم فى الكتاتيب والزوايا وحلقات المساجد قائمة، وعنى العثمانيون بإنشاء مدارس تركية فى مدن طرابلس والخمس وبنغازى ودرنة، وكان يراد بها إلى تخريج موظفى الدولة، وألم الطلاب فيها ببعض العلوم العصرية مما يصلهم بالحياة العصرية بعض الاتصال، وأخذت إيطاليا تنشئ مدارس لها فى طرابلس والخمس تصل من يتعلمون بها باللغة والثقافة الإيطاليتين إعدادا خبيثا لما كانت تنتويه من احتلال ليبيا. وكان القرن التاسع عشر فى ليبيا يحمل كل ذلك وأهم منه الزوايا السنوسية التى بدأ إنشاءها محمد بن على السنوسى الجزائرى الأصل والمولد والأسرة وكان قد طوف بالبلاد المغربية وتغلغل فى الصحراء الجنوبية لتلك البلاد حتى السودان، وشاهد زوايا المتصوفة المنبثة فى تلك الأنحاء، وأدّى فريضة الحج سنة ١٢٤١ هـ/١٨٢٥ م وظل بمكة خمسة عشر عاما عرف فى أثنائها الدعوة الوهابية وما تدعو إليه من الرجوع إلى مصادر الإسلام الأولى من القرآن الكريم والحديث النبوى، فرأى أن يدعو نفس الدعوة، وأن يتخذ لدعوته نظام الزوايا المعروف فى البلاد المغربية، ولكن أى بلاد المغرب يختاره لزواياه. إن الطريقة الشاذلية تعم المغرب الأقصى وتونس وتعم الجزائر طريقة أبى مدين، وتزاحم الطريقتين فى تلك البلدان طرق أخرى بينما ليبيا-وخاصة برقة فيها-لا تشيع بها طريقة صوفية معينة، وكان قد زار أنحاءها البدوية ورأى أهلها غارقين فى دياجير الجهالة بمبادئ الإسلام وتعاليمه وهم لذلك فى حاجة إلى داع ودعوة تهديهم إلى سبيل الرشاد. ونزل برقة، وأقام لنفسه الزاوية البيضاء فى الجبل الأخضر بها، ورأى الناس يستجيبون لدعوته، فعاد إلى مكة وكان قد ترك بها أهله، ثم رجع إلى برقة ونقل مركز دعوته من الزاوية البيضاء إلى واحة جغبوب، وأخذت الدعوة السنوسية تنتشر فى عهده وعهد ابنه محمد المهدى، حتى أصبح لها نحو مائة زاوية فى بوادى برقة وحضرها فى بنغازى ودرنة. وبذلك عمت اليقظة الإسلامية العربية التى كانت أضواؤها أخذت تتفلّت إلى طرابلس وإقليمها فى عهد يوسف القرمانلى إذ أشاعتها الدعوة السنوسية فى بوادى برقة وحضرها. ولعل فى ذلك كله ما يوضح كيف كان القرن التاسع عشر مبدأ تاريخ ليبيا الحديث وكل ما يتصل به من أدب وغير أدب.