انفتاح طرابلس على الغرب، عن طريق عنايته بأسطوله وما كان يجنى منه من اتفاقيات الحماية الكثيرة لسفن الدول الأوربية فى البحر المتوسط. وكانت الدولة تأخذ من ذلك إتاوات واسعة تفرضها على تلك الدول، وكان من بينها السويد، فطالبها يوسف بمائة ألف فرنك هدية وبدفع إتاوة سنوية قدرها ثمانية آلاف فرنك. وامتنع قنصلها فى طرابلس من أداء ما طلبه يوسف، فأمر بإغلاق قنصليته، واستولى أسطوله على بعض السفن السويدية فى البحر المتوسط، ووسّطت السويد نابليون عند يوسف، فوافق على أن تخفّض الهدية إلى ثمانين ألف فرنك، وتظل الإتاوة البحرية السنوية كما هى: ثمانية آلاف فرنك، وأعاد يوسف إلى السويد سفنها الأسيرة. ورأى فى سنة ١٢١٧ هـ/١٨٠٢ م أن يفرض على السفن الأمريكية التى تمخر عباب البحر المتوسط إتاوة سنوية على شاكلة ما يفرض على السفن الأوربية، وأبت تلك السفن أن تدفع شيئا، فصادرها، وحاصر الأسطول الأمريكى طرابلس عشرين يوما، وهزمه الأسطول الطرابلسى، فانسحب إلى مالطة-ووسّط الأمريكيون القنصل الإنجليزى ووالى الجزائر العثمانى، وقبل يوسف وساطتهما، وردّ إلى الأمريكيين سفنهم.
وواضح أن طرابلس احتلّت لعهد يوسف القرمانلى مكانة كبيرة فى العلاقات الدولية لم تحظ بها فى أى عهد سابق، لا بما كانت تفرضه من إتاوات سنوية على سفن الدول الأوربية فحسب، بل أيضا بكثرة الوفود الأوربية التى كانت تقدم على طرابلس للتفاوض والتصالح أو للتهديد والوعيد أو لدفع الإتاوات المفروضة. وكل ذلك كان بشارة العصر الحديث فى ليبيا واستشعار طرابلس لشخصيتها العربية بقوة، غير أن المسيحيين الأوربيين كانوا لهذه النهضة بالمرصاد، فتجمعوا فى مؤتمر اكس لاشابيل سنة ١٢٣٣ هـ/١٨١٨ م وقرروا تفويض الدول الأوربية منع الإتاوات البحرية لمدن الشمال الإفريقى: طرابلس وغيرها وما يتصل بتلك الإتاوات من جهاد رجال البحرية الإفريقية فى البحر المتوسط، وسموه قرصنة. وأخذت طرابلس تشهد مظاهرات واستعراضات لأساطيل إنجلترا ودول البحر المتوسط، وأخذت تلك الأساطيل ترغم يوسف القرمانلى على تحرير الأسرى المسيحيين والكف عن الغارات البحرية، ففقدت طرابلس موردا كبيرا من المال كانت تعتمد عليه فى إدارة البلاد ونهضتها، وأخذ يوسف القرمانلى يشعر بالضيق، ويزداد ضيقه سنة بعد أخرى لتراكم الديون على الدولة، مما دفعه فى النهاية إلى أن يتنازل لابنه على القرمانلى عن الحكم سنة ١٢٤٨ هـ/١٨٣٢ م. ولم تكد تستدير ثلاثة أعوام حتى استردت الدولة العثمانية طرابلس وليبيا، إذ أرسلت إليهما حاكما جديدا استسلم له على القرمانلى، وبذلك انتهى عهد الأسرة القرمانلية فى طرابلس وليبيا، وتعاقب عليهما ولاة عثمانيون طوال القرن التاسع عشر، وأخذ كثيرون منهم يستجيبون لمقتضيات العصر الحديث من التطور بطرابلس وليبيا وبأسلوب الحكم.