١١٦٧ هـ/١٧٥٣ م وكان عهده عهد أمن ورخاء واستقرار كعهد أبيه وخلفه ابنه على الذى ظل بيده صولجان الحكم فى طرابلس وليبيا لنحو أربعين عاما إذ توفى سنة ١٢٠٨ هـ/١٧٩٣ م وتميزت الفترة الأولى من عهده بالأمن والرخاء ونشاط الزراعة والتجارة، حتى إذا كانت سنة ١١٩٩ هـ/١٧٨٤ م حدثت كارثة خطيرة عصفت بطرابلس وإقليمها: كارثة مجاعة كبرى ظلت عامين وانتشر معها وباء الطاعون، وانهار لذلك اقتصاد طرابلس فى العهد الأخير لعلى القرمانلى، وظلت لهذا الانهيار بعده آثار غير قليلة، وفى عهده أقامت دول البحر المتوسط الأوربية قنصليات لها فى طرابلس مع مصادقته على ما منحته من امتيازات أجنبية، مما يدل على حمقه وهوجه وقصر نظره. وبعد وفاته حدثت انقسامات بين أبنائه على الحكم، وقتل ابنه يوسف أخاه الحسن، وشق عصا الطاعة عليه أخوه أحمد، وانتهز الفرصة مغامر عثمانى هو على برغل كان يقود بعض سفن صغيرة مسلحة فى البحر المتوسط، فنزل طرابلس واستولى عليها سنة ١٢٠٨ هـ/١٧٩٣ م دون مقاومة تذكر، وغضب لذلك باى تونس، إذ استغاثت به الأسرة القرمانلية، وردت إليها سنة ١٢١٠ هـ/١٧٩٥ م وتولّى مقاليد الحكم بطرابلس وليبيا يوسف القرمانلى، ومهما كانت الطرق التى سلكها مع إخوته للاستيلاء على الحكم فإنه كان حاكما ممتازا، ونعمت البلاد فى عهده بالأمن والرخاء والانتعاش التجارى ونشاط العلاقات بين طرابلس ومدن الشواطئ والانفتاح على الغرب والتعرف على مدنيته، مما أعدّها لاستقبال العصر الحديث.
وكانت الأقطار العربية قد أخذت تستعد-منذ فاتحة القرن التاسع عشر الميلادى- لاستقبال هذا العصر عقب نزول الحملة الفرنسية مصر واندحارها بفضل مقاومة الشعب المصرى. وقد أيقظ هذا الحدث الخطير البلاد العربية جميعا من سبات عميق كان قد استغرقها منذ احتلال العثمانيين لأراضيها فى القرن العاشر الهجرى/السادس عشر الميلادى، وأخذت كل منها تستشعر شخصيتها وتحاول انبعاثها انبعاثا جديدا بصور تختلف سرعتها باختلاف ظروفها الخاصة، وكانت مصر أسرعها إلى هذا الانبعاث، وهو انبعاث كان يقوم فيها-وفى جميع الأقطار العربية-على ركنين: ركن التمسك بالتراث الإسلامى العربى على نحو ما يمثله الأزهر. وتمخض هذا التمسك فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر عن ظهور الشيخ محمد عبده ودعوته الإصلاحية الدينية الكبيرة، والركن الثانى ركن التعرف على ما سبقت إليه أوربا فى ميادين العلم والأدب والحضارة، مما جعل مصر تسبق شقيقاتها العربيات فى إرسال البعوث إلى الغرب وإنشاء المدارس العلمية المختلفة فى الطب وغير الطب لعهد محمد على.
وفى رأينا أن فجر العصر الحديث بليبيا أخذ ينشر أضواءه بطرابلس فيها لعهد يوسف القرمانلى وإن لم تكن أضواء مكتسحة، ولكنها أضواء على كل حال، إذ أخذ يوسف يحاول