مستشفى خاصا بالأسرى، وخصّص لرعايتهم طائفة من الأطباء، وألحق بالمستشفى صيدلية لتحضير ما يلزمهم من الأدوية. وأنشأ لنفسه قصرا بديعا، كما أنشأ مدرسة قرب باب البحر لا تزال قائمة إلى اليوم، وبنى فى سنة ١٠٦٥ هـ/١٦٥٤ م فندقا كبيرا كان به مائة غرفة كما كان به بئر فى ساحته، وعنى بأسواق البلدة، وكان عهده عهد أمن واستقرار وعمران مزدهر إلى أن توفى سنة ١٠٨٢ هـ/١٦٧١ م. وتعاقب دايات بعده ضعاف الشخصية على حكم ليبيا وكثرت تهديدات الأساطيل الأوربية إنجليزية وفرنسية، وكانوا يشفعون التهديد بقصف طرابلس حتى تضطر إلى مفاوضتهم وإرجاع أسراهم إليهم، وكانت طرابلس تردهم إليهم طلبا من داياتها للمهادنة ورغبة فى السلام. ومن خير ولاتها فى أوائل القرن الثانى عشر الهجرى محمد الإمام الذى أقام علاقات حسنة مع بعض الدول الأوربية وخاصة فرنسا، وبنى له مسجدا بسوق الترك وجدّد بناء هذا السوق وسوق الحرير. وسمح الوالى بعده خليل الأرناء وطى (١٠٩٠ - ١٠٩٦ هـ) لإسبانيا بإقامة قنصلية لها فى طرابلس، وكان ظلوما غشوما واتخذ بطانة له من النصارى ضعف دين وسوء سياسة.
وتتردّى طرابلس وليبيا فى هاوية من الصراعات والانقسامات، وينقذهما منها إجماع رأى الانكشارية على تولى أحمد القرمانلى طرابلس وليبيا سنة ١١٢٣ هـ/١٧١١ م وكان شخصية قوية، فأخذ يعمل على استقلاله بليبيا وطرابلس وجعلها وراثية فى أبنائه، وتلقّب بأمير المؤمنين، وأخذ يعنى بشئون الدفاع عن طرابلس وتجديد أسوارها وأبراجها وتزويد الحصون بمدافع من عيارات كبيرة، وبنى مسجدا كبيرا وألحق به مدرسة، كما بنى بعض قصور له، منها قصر للاّزينوبا الذى نفّذ فيه مذبحته للإنكشارية، إذ دعاهم إليه، وقد أكمن لهم فى سقوفه ودهاليزه من اغتالوهم حتى يستطيع أن يحكم البلاد حكما نظيفا من شغبهم، وكأنما حاكاه محمد على-فيما بعد-حين اغتال المماليك بالقلعة. وكان حكمه حكما عادلا رشيدا، وامتد إلى نحو خمسة وثلاثين عاما، مما أعطاه الفرصة لينهض بأعمال كثيرة، من ذلك إجراؤه الماء لطرابلس على حنايا ليسقى به أهلها وينتفعوا به، ومنها بناء سوق فسيح الفناء وبناء بيوت ومقاصير أنيقة فى القلعة، ومنها بناء فسقية بقرب البحر لينهل منها أهل السفن من أسطوله وغيرهم، وفى سنة ١١٤١ هـ/١٧٢٨ م اندفع إلى طرابلس أسطول فرنسى فى مظاهرة بحرية ليرغم القرمانلى على رد بعض غنائم لأسطوله ورد الحرية إلى الأسرى الفرنسيين ودفع بعض التعويضات، فرفض مطالبه بعنف، وأخذ الأسطول الفرنسى يقذف طرابلس بالقنابل قذفا شديدا لمدة ثلاثة أيام والقرمانلى مصر على موقفه ونفدت ذخائر الأسطول الفرنسى فانسحب إلى البحر ولم يعد ثانية إلى المياه الطرابلسية. وحمد له الطرابلسيون هذا الموقف الشجاع. وانتعشت الحركة التجارية لعهده انتعاشا كبيرا إلى أن توفى سنة ١١٥٨ هـ/١٧٤٥ م وخلفه ابنه محمد حتى سنة