ترجم لهم جميعا الزبيدى فى طبقاته، وأولهم محمد بن صدقة المرادى الطرابلسى، وغلب عليه التقعر فى اللغة، إذ كان لا يكتفى بالمألوف من اللغة فى محاضراته وإملاءاته، بل يطلب دائما الشواذ والنوادر والغرائب اللغوية حتى يبهر تلاميذه وسامعيه. والثانى خلف بن مختار الطرابلسى المتوفى سنة ٢٩٠ وكان صاحب نحو ولغة ويقرض الشعر ويجيد المعانى، والثالث محمد بن سالم الطرابلسى المعروف بالعقعق وكان صاحب نحو ولغة مثل سالفه مع علم بالجدل وإيمان بالاعتزال ومبادئه، والرابع عبد الله بن محمود من أهل سرت، نشأ فيها وأخذ عن علمائها، ورحل إلى القيروان للتزود من حلقات علمائها وبها دوّت شهرته فى اللغة والغريب وشرح الدواوين الشعرية وأيام العرب، وله كتب أملاها فى اللغة والعربية والغريب والعروض، يقول الزبيدى:«وإليه كانت الرحلة من جميع إفريقية التونسية والمغرب، وعليه قرأ الناس المشروحات توفى سنة ٣٠٨ للهجرة». ونلتقى عند القفطى فى إنباه الرواة بأبى بكر محمد بن مؤمن الكندى البرقى، وفد على مصر وتوفى فيها سنة ٣٥١ وقد قارب الثمانين وكان نحويّا كبيرا، كما نلتقى بعلى بن مضر البرنيقى أو البنغازى نزيل مصر، كان نحويا لغويا كبيرا وكتب بخطه كثيرا من الكتب اللغوية وكان الناس يتنافسون فى تحصيل ما يكتبه، ويقول القفطى إنه رأى نسخة بخطه من معجم الجمهرة لابن دريد، وقد بيعت بأربعة وعشرين دينارا مصريا، وإذا كان قد حمل إلى القاهرة نسخة من الجمهرة بخطه، فإننا سنرى ابن القطاع بعده بأكثر من قرن يحمل إلى القاهرة من صقلية نسخة من صحاح الجوهرى، وكان عليها اعتماد المصريين فى رواية معجم الجوهرى، كما كان اعتمادهم على نسخة معجم الجمهرة بخط على بن مضر البنغازى، ولعل فى حمله لها إلى القاهرة ما يدل على ما بلغه أهل ليبيا من العلم باللغة ومعاجمها الكبيرة فى القرن الرابع الهجرى، إذ توفى سنة ٣٨٤ للهجرة.
وإذا مضينا إلى القرن الخامس الهجرى التقينا فى طرابلس بعالم فذ من علماء اللغة العربية يحق لطرابلس-بل لليبيا عامة-أن تفاخر به، ويحسن أن نتوقف عنده قليلا لنتخذ منه رمزا قويا على مدى ما حذقته ليبيا وطرابلس حتى زمنه من علوم العربية والتعمق فيها، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الأجدابي الطرابلسى اللواتى، فهو ليبى من قبيلة لواتة البربرية التى سكنت الساحل الليبى منذ العصور السحيقة، وأصل أسرته من أجدابية فى إقليم برقة، ولذلك نسب إليها، وقد ولد ونشأ وأمضى حياته فى طرابلس إلى أن توفى بها، ولذلك عرف بالطرابلسى. واختلف من ترجموا له أو ذكروه فى القرن الذى عاش فيه، فقيل عاش فى القرن السابع الهجرى، وقيل: بل فى القرن السادس، وقال التجانى فى رحلته إنه عاش فى القرن الخامس الهجرى، ويؤيده-بل يقطع به-خبر له مع قاضى بلدته ابن هانش الذى ولى قضاءها بين سنتى ٤٤٤ و ٤٧٧ فقد ذكر الرواة أنه حضر مجلس قضائه، فرآه يحكم بحكم مخطئ